كنت أذكر هذه الخاطرة كذكرى لطيفة من الأستاذ، ولكن عندما قرأت يوماً الفقرة التي هي في بداية المقام الثاني لرسالة «الحجة الزهراء» تبيّن لي أن هناك نماذج كثيرة مثل هذا النموذج. بمعنى أن معظم الذكريات والخواطر التي نوردها موجودة في الرسائل، والفقرة هي:

إن سائح الدنيا في رسالة «الآية الكبرى» الذي سأل جميع الكائنات وأنواع الموجودات في أثناء بحثه عن خالقه، ووجدانه له، ومعرفته إياه، فعرّفه بثلاث وثلاثين طريقاً وببراهين قاطعة بدرجة علم اليقين وعين اليقين، فإن السائح نفسه قد ساح بعقله وقلبه وخياله في أجواء طبقات العصور والأرض والسماوات، دون أن يصيبه تعب أو نصب، بل ما زال يسيح ليشفى غليله حتى ساح في أرجاء الدنيا الواسعة كلها فبحث في جميع نواحيها -كمن يسيح في مدينة-، مستنداً بعقله أحياناً إلى حكمة القرآن وتارة إلى حكمة الفلسفة كاشفاً بمنظار الخيال أقصى الطبقات إلى أن رأى الحقائق كما هي في الواقع، فأخبر عن قسم منها في تلك الرسالة «الآية الكبرى».

وسأذكر خاطرة أو خاطرتين جديرتين بالذكر:

كنت قد خرجت توا من سجن «صامسون» في بداية سنة ١٩٥٤، وكان الأستاذ في «أميرداغ» حيث أتى إليها من «إسبارطة» أواسط سنة ١٩٣٥ واستأجر بيتا فأقام في تلك المدرسة النورية الثالثة، فكنا مع الإخوة طاهري وزبير وجيلان وبيرام، في غرفة من البيت، فدخل علينا الأستاذ يوما قبيل العشاء وقال: «خطر على قلبي أمر: سأعلمكم اللغة العربية، وسنبدأ ب«المثنوي العربي النوري» صباح غد». وفعلا بدأ في اليوم التالي بتدريسنا المثنوي العربي النوري كان الدرس يدوم على الأغلب ثلاث ساعات أو أربع ساعات وأحيانا بل نادرا يطول إلى خمس ساعات. كان يقرأ علينا باللغة العربية ويوضح ويشرح المعنى بالتركية. ولا يخفى ما للمثنوي العربي النوري من أهمية حيث يمثل منشأ رسائل النور وأصولها، وقد درّسنا الأستاذ «المثنوي» مرتين. ودرّسنا كذلك «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» العربية.

والحقيقة أننا لا نستطيع أن نعبر عن مدى استفادتنا من تلك الدروس ومدى استمدادنا الغذاء الروحي والمعنوي منها. فتلك الأيام كانت حقا أسعد أيام حياتنا، إذ كنا نذهب معا إلى


Yükleniyor...