الواقعة التي حوّلت «سعيد القديم» إلى «سعيد الجديد»
استمع إلى هذه الواقعة الخيالية التي تتمثل فيها حقيقةُ حياةِ الدنيا. تلك الواقعة التمثيلية (36) التي رآها «سعيد القديم» فحوّلته إلى «سعيد الجديد» وهي:
«رأيتُ نفسي كأني أسافر في طريقٍ طويل، أي أُرسَل إلى مكانٍ بعيد، وكان سيدي قد خصّص لي مقدارَ ستين ليرة ذهبية يمنحني منها كلَّ يومٍ شيئاً، حتى دخلتُ إلى فندقٍ فيه ملهى فطفقتُ أبذّر ما أملك -وهي عشرُ ليرات- في ليلةٍ واحدة على مائدة القمار والسهر في سبيل الشهرة والإعجاب. فأصبحتُ وأنا صفر اليدين لم أتّجر بشيء، ولم آخذ شيئاً مما سأحتاج إليه في المكان الذي أقصده، فلم أوفّر لنفسي سوى الآلام والخطايا التي ترسبتْ من لذات غير مشروعة، وسوى الجروح والغصّات والآهات التي ترشحت من تلك السفاهات والسفالات.. وبينما أنا في هذه الحالة الكئيبة الحزينة البائسة إذ تمثّل أمامي رجلٌ. فقال:
«أنفقت جميع رأسمالك سدىً، وصرتَ مستحقاً للعقاب، وستذهب إلى البلد الذي تريدُه خاويَ اليدين. فإن كنتَ فطناً وذا بصيرة فبابُ التوبة مفتوحٌ لم يغلق بعدُ. وبإمكانك أن تدّخر نصف ما تحصل عليه، مما بقي لك من الليرات الخمس عشرة لتشتري بعضاً مما تحتاج إليه في ذلك المكان.» استشرتُ نفسي فإذا هي غير راضية بذلك.
فقال الرجل: «فادّخر إذن ثُلُثَه». ولكن وجدتُ نفسي غير راضية بهذا أيضاً.
فقال: «فادّخر ربعَهُ»، فرأيتُ نفسي لا تريد أن تَدَع العادةَ التي ابتُليت بها. فأدار الرجلُ رأسه وأدبر في حدّةٍ وغيظٍ ومضى في طريقه. ثم رأيتُ كأن الأمور قد تغيّرت، فرأيت نفسي في قطار ينطلق منحدراً بسرعة فائقة في داخل نفق تحت الأرض، فاضطربت من دهشتي، ولكن لا مناص لي حيث لا يمكنني الذهابُ يميناً ولا شمالاً. ومن الغريب أنه كانت تبدو على طرفَي القطار أزهارٌ جميلة جذابة وثمارٌ لذيذة متنوعة فمددتُ يدي -كالأغبياء- نحوَها أُحاول قطفَ أزهارها وأحصل على ثمراتها، إلّا أنها كانت بعيدةَ المنال، الأشواكُ فيها انغرزتْ في يدي بمجرد ملامستها فأدْمَتها وجرحَتها والقطارُ كان ماضياً بسرعة فائقة فآذيتُ نفسي من
استمع إلى هذه الواقعة الخيالية التي تتمثل فيها حقيقةُ حياةِ الدنيا. تلك الواقعة التمثيلية (36) التي رآها «سعيد القديم» فحوّلته إلى «سعيد الجديد» وهي:
«رأيتُ نفسي كأني أسافر في طريقٍ طويل، أي أُرسَل إلى مكانٍ بعيد، وكان سيدي قد خصّص لي مقدارَ ستين ليرة ذهبية يمنحني منها كلَّ يومٍ شيئاً، حتى دخلتُ إلى فندقٍ فيه ملهى فطفقتُ أبذّر ما أملك -وهي عشرُ ليرات- في ليلةٍ واحدة على مائدة القمار والسهر في سبيل الشهرة والإعجاب. فأصبحتُ وأنا صفر اليدين لم أتّجر بشيء، ولم آخذ شيئاً مما سأحتاج إليه في المكان الذي أقصده، فلم أوفّر لنفسي سوى الآلام والخطايا التي ترسبتْ من لذات غير مشروعة، وسوى الجروح والغصّات والآهات التي ترشحت من تلك السفاهات والسفالات.. وبينما أنا في هذه الحالة الكئيبة الحزينة البائسة إذ تمثّل أمامي رجلٌ. فقال:
«أنفقت جميع رأسمالك سدىً، وصرتَ مستحقاً للعقاب، وستذهب إلى البلد الذي تريدُه خاويَ اليدين. فإن كنتَ فطناً وذا بصيرة فبابُ التوبة مفتوحٌ لم يغلق بعدُ. وبإمكانك أن تدّخر نصف ما تحصل عليه، مما بقي لك من الليرات الخمس عشرة لتشتري بعضاً مما تحتاج إليه في ذلك المكان.» استشرتُ نفسي فإذا هي غير راضية بذلك.
فقال الرجل: «فادّخر إذن ثُلُثَه». ولكن وجدتُ نفسي غير راضية بهذا أيضاً.
فقال: «فادّخر ربعَهُ»، فرأيتُ نفسي لا تريد أن تَدَع العادةَ التي ابتُليت بها. فأدار الرجلُ رأسه وأدبر في حدّةٍ وغيظٍ ومضى في طريقه. ثم رأيتُ كأن الأمور قد تغيّرت، فرأيت نفسي في قطار ينطلق منحدراً بسرعة فائقة في داخل نفق تحت الأرض، فاضطربت من دهشتي، ولكن لا مناص لي حيث لا يمكنني الذهابُ يميناً ولا شمالاً. ومن الغريب أنه كانت تبدو على طرفَي القطار أزهارٌ جميلة جذابة وثمارٌ لذيذة متنوعة فمددتُ يدي -كالأغبياء- نحوَها أُحاول قطفَ أزهارها وأحصل على ثمراتها، إلّا أنها كانت بعيدةَ المنال، الأشواكُ فيها انغرزتْ في يدي بمجرد ملامستها فأدْمَتها وجرحَتها والقطارُ كان ماضياً بسرعة فائقة فآذيتُ نفسي من
Yükleniyor...