ولكن وا مصيبتاه! فقد تلقيت جواباً ارتعدت روحي وقلبي وفكري منه وبكت بكاءً مراً، إذ أصبحت تلك الدائرة التي استنارت بأنوار الشريعة بمئات السنين، إعدادية البنات وموضع اللهو واللعب، وعندها غشيتني حالة روحية محزنة كأن الدنيا هدّمت على رأسي، فما حيلتي فلا حول لي ولا قوة ولا كرامة لي ولا ولاية لأدفع المصيبة، فتوجهت يائساً من كل شيء إلى أعتاب الألوهية أُطلقُ الآهات والزفرات. والتحقتْ بها آهاتُ وحسرات مَن احترقت أفئدتهم مثلي. ولا أتذكر هل استمددت لدعواتنا دعاء الشيخ الكيلاني وهمته أم لا؟ ولا جرم أن دعاءه وهمته هي التي ألهبت آهاتنا وأشعلتها فأحترق تلك الليلة (88) قسم من المشيخة التي كانت مقراً للأنوار منذ القدم إنقاذاً لها من الظلمات.

فتأسف الجميع إلّا أنا ومن مثلي ممن احترق فؤاده، حمدنا الله تعالى». (89)

[ثم غادر إسطنبول بالباخرة التي مرت بإزمير فأنطاليا، ومن هناك أُخذ إلى بوردور]

سنة ١٩٢٦م/ ١٣٤٣ه

نفي إلى «بُورْدُورْ»

«كان المسؤولون في هذه المدينة يراقبون المنفيين مراقبة شديدة، وكان على المنفيين إثبات وجودهم بحضورهم مساء كل يوم لدى الشرطة إلا أنني وطلابي المخلصين استُثْنِينَا من هذا الأمر ما دمت قائماً بخدمة القرآن، فلم أذهب لإثبات الحضور ولم أعرف أحداً من المسؤولين هناك. حتى إن الوالي شكا من عملنا هذا لدى «فوزي باشا» (90) عند قدومه إلى المدينة، فأوصاه: «احترموه! لا تتعرضوا له!». إن الذي أنطقه بهذا الكلام هو كرامة العمل القرآني ليس إلّا». (91)

«وقبل تسع سنوات عندما أصرّ عليّ قسم من رؤساء العشائر المنفيين معي إلى «بوردور» على قبول زكاتهم كي يحولوا بيني وبين وقوعي في الذل والحاجة لقلة ما كان عندي من النقود،


Yükleniyor...