ثم امتحنه الملا عبد الله بتوجيه الأسئلة إليه، ولما أصغى إلى أجوبته السديدة، قدّر فيه كفاءته العلمية، حتى اتخذه أستاذاً له، مع أن بديع الزمان كان قبل ثمانية أشهر تلميذاً لديه. (44)

[وجرت بينهما في هذه الفترة المحاورة الآتية:]

ميزان دقيق في محاورة

«جرت بيني وبين أخي الكبير الملا عبد الله رحمه الله هذه المحاورة، سأوردها لكم:

كان أخي المرحوم من خواص مريدي الشيخ ضياء الدين(∗) قدس سره. وهو من الأولياء الصالحين. وأهلُ الطرق الصوفية لا يرون بأساً في الإفراط في حب مرشدهم والمبالغة في حسن الظن بهم، بل يرضون بهذا الإفراط والمبالغة، لذا قال لي أخي ذات يوم: «إن الشيخ ضياء الدين على علم واسع جداً واطلاع على ما يجري في الكون، بمثل اطلاع القطب الأعظم!..»، ثم سرد الكثير من الأمثلة على خوارق أعماله وعلو مقامه.. كل ذلك ليغريني بالانتساب إليه والارتباط به.

ولكني قلت له: «يا أخي الكريم، أنت تغالي! فلو قابلت الشيخ ضياء الدين نفسه لألزمته الحجة في كثير من المسائل، وإنك لا تحبه حباً حقيقياً مثلي! لأنك يا أخي الكريم تحب ضياء الدين الذي تتخيله في ذهنك على صورة قطب أعظم له علم بما في الكون! فأنت مرتبط معه بهذا العنوان وتحبه لأجل هذه الصفة، فلو رُفع الحجاب وبانت حقيقته، لزالت محبتك له أو قلّت كثيراً! أما أنا -يا أخي- فأُحب ذلك الشخص الصالح والولي المبارك حباً شديداً بمثل حبك له، بل أوقره توقيراً يليق به وأجلّه وأحترمه كثيراً، لأنه مرشد عظيم لأهل الإيمان في طريق الحقيقة المستهدية بالسنة النبوية الشريفة. فليكن مقامه الحقيقي ما يكون، فأنا مستعد لأن أضحي بروحي لأجل خدمته الإيمانَ. فلو أُميط اللثام عن مقامه الحقيقي فلا أتراجع ولا أتخلى عنه ولا أقلل من محبتي له، بل أوثق الارتباط به أكثر، وأُوليه محبة أعظم وأبالغ في توقيره. فأنا إذن يا أخي الكريم أُحب ضياء الدين كما هو وعلى حقيقته؛ أما أنت فتحب ضياء الدين الذي في خيالك». (45)


Yükleniyor...