الفصل الرابع

, أوراق من الذكريات (59)>

الصلاة في أوقاتها

كان الأستاذ جمّ الخشوع في صلاته ويقرأ الآيات آية بعد آية، وبعدما يقف منتصباً للصلاة ينوي ثم يكبر ب «الله أكبر» بصوت عال جداً يكاد دويه يهز البيت الخشبي الذي يسكنه، وكانت الرهبة تملأنا ونحن خلفه مأمومون.

كان يهتم كثيراً بأوقات الصلاة وحريصاً عليها كل الحرص، وأسوق هنا مثالاً:

خرجنا يوماً من إسبارطة إلى أميرداغ ولم يبق إلّا خمس دقائق للوصول إلى أميرداغ وإذا بوقت الصلاة قد حان، فنظر الأستاذ إلى ساعته فأقام بنا الصلاة. ولم يكن الأستاذ يبالي بالبرد القارس ولا بالمطر إذا ما حان وقت الصلاة. فكنا نؤديها في أوقاتها في الحل والترحال، وكان يقول:

«إن أكثر من مائة مليون شخص من كل أرجاء العالم الإسلامي يجتمعون في الجامع المعظم ويشكلون جماعة كبرى لأداء كل صلاة في وقتها، فكل فرد من هذه الجماعة يدعو للجماعة كلها بقوله: ﹛﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَق۪يمَ﴾|﹜ فهذه الآية الكريمة تصبح بمثابة دعاء وشفيع لكل فرد من أفراد الجماعة. نفهم من هذا: عِظم الثواب غير المتناهي والأخروي الذي يناله الفرد المؤدي صلاته في أوقاتها فالذي لا يشترك إذن مع هذه الجماعة لا يحصل على حظه من ذلك الثواب، مثله في هذا: الجندي الذي لم يجلب قصعته لأخذ طعامه من المطبخ الرئيس فلا يستلم أرزاقه المخصصة، أي إن الذي لا يؤدي الصلوات في أوقاتها كأنه لا يأخذ أرزاقه المعنوية من القدر الرئيس في المطبخ المعنوي للجماعة الكبرى». (60)


Yükleniyor...