الحمية الدينية أم الملية؟
«كان في قطارنا معلمان اثنان، قد تلقيا العلوم في المدارس الحديثة، فجرت بيننا مباحثة، إذ سألاني: أيُّهما أقوى وأولى بالالتزام: الحمية الدينية أم الملية؟ قلت لهم -وقتئذٍ-: نحن معاشر المسلمين، الدين والملية عندنا متحدان بالذات، والاختلاف اعتباري، أي ظاهري، عرضي، بل الدين هو حياة الملية وروحها. فإذا ما نُظر إليهما بأنهما مختلفان ومتباينان، فإن الحمية الدينية تشمل العوام والخواص بينما الحمية الملية تنحصر في واحد بالمائة من الناس، ممن يضحي بمنفعته الشخصية لأجل الأمة.
وعليه فلا بد أن تكون الحمية الدينية أساساً في الحقوق العامة، وتكون الملية خادمة منقادة لها وساندة حصينة لها.
فنحن الشرقيين لا نشبه الغربيين، إذ المهيمن على قلوبنا الشعور الديني؛ فإنّ بعث الأنبياء في الشرق يشير به القدرُ الإلهي إلى أن الشعور الديني وحده هو الذي يستنهض الشرق ويسوقه إلى التقدم والرقي، والعصر السعيد -وهو خير القرون والذي يليه- خير برهان على هذا.
فيا زملائي في هذه المدرسة السيارة، أعني القطار، ويا من تسألون عن التفاضل بين الحمية الدينية والملية، ويا أيها الدارسون في المدارس الحديثة. إني أقول لكم جميعاً: إن الحمية الدينية والملية الإسلامية قد امتزجتا في الترك والعرب مزجاً لا يمكن فصلهما، وإن الحمية الإسلامية هي أقوى وأمتن حبل نوارني نازل من العرش الأعظم، فهي العروة الوثقى لا انفصام لها، وهي القلعة الحصينة التي لا تهدم».
حول مؤلّف «تعليقات» في المنطق
إن هذه الرسالة الموسومة ب«تعليقات» هي ما كتبه بديع الزمان سعيد الكردي من حواشٍ على كتاب «برهان كلنبوي»، ودوّنها أحبّ طلابه إليه والملازم له في الدرس الملا حبيب(∗) فسجل هذه التقريرات من بديع الزمان على صورة حواشٍ وهوامش.. كان ذلك في سنة ١٣٢٩ه ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى وذهب بديع الزمان والملا حبيب كواعظين مع فرقة «وان» إلى جبهة القتال في «أرضروم»، وعادا معاً بعد عام وقد احتُلت «وان» من
«كان في قطارنا معلمان اثنان، قد تلقيا العلوم في المدارس الحديثة، فجرت بيننا مباحثة، إذ سألاني: أيُّهما أقوى وأولى بالالتزام: الحمية الدينية أم الملية؟ قلت لهم -وقتئذٍ-: نحن معاشر المسلمين، الدين والملية عندنا متحدان بالذات، والاختلاف اعتباري، أي ظاهري، عرضي، بل الدين هو حياة الملية وروحها. فإذا ما نُظر إليهما بأنهما مختلفان ومتباينان، فإن الحمية الدينية تشمل العوام والخواص بينما الحمية الملية تنحصر في واحد بالمائة من الناس، ممن يضحي بمنفعته الشخصية لأجل الأمة.
وعليه فلا بد أن تكون الحمية الدينية أساساً في الحقوق العامة، وتكون الملية خادمة منقادة لها وساندة حصينة لها.
فنحن الشرقيين لا نشبه الغربيين، إذ المهيمن على قلوبنا الشعور الديني؛ فإنّ بعث الأنبياء في الشرق يشير به القدرُ الإلهي إلى أن الشعور الديني وحده هو الذي يستنهض الشرق ويسوقه إلى التقدم والرقي، والعصر السعيد -وهو خير القرون والذي يليه- خير برهان على هذا.
فيا زملائي في هذه المدرسة السيارة، أعني القطار، ويا من تسألون عن التفاضل بين الحمية الدينية والملية، ويا أيها الدارسون في المدارس الحديثة. إني أقول لكم جميعاً: إن الحمية الدينية والملية الإسلامية قد امتزجتا في الترك والعرب مزجاً لا يمكن فصلهما، وإن الحمية الإسلامية هي أقوى وأمتن حبل نوارني نازل من العرش الأعظم، فهي العروة الوثقى لا انفصام لها، وهي القلعة الحصينة التي لا تهدم».
حول مؤلّف «تعليقات» في المنطق
إن هذه الرسالة الموسومة ب«تعليقات» هي ما كتبه بديع الزمان سعيد الكردي من حواشٍ على كتاب «برهان كلنبوي»، ودوّنها أحبّ طلابه إليه والملازم له في الدرس الملا حبيب(∗) فسجل هذه التقريرات من بديع الزمان على صورة حواشٍ وهوامش.. كان ذلك في سنة ١٣٢٩ه ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى وذهب بديع الزمان والملا حبيب كواعظين مع فرقة «وان» إلى جبهة القتال في «أرضروم»، وعادا معاً بعد عام وقد احتُلت «وان» من
Yükleniyor...