لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقل أيام الاستبداد. إلّا أنها الآن تعادي الحياة بأكملها. فإن كانت الحكومة على هذا الشكل والمنطق؛ فليعش الجنون وليعش الموت، ولتعش جهنم مثوىً للظالمين. (153)

ومع هذا فإن القدر الإلهي يعذبني بالأيدي الظالمة لأهل الدنيا هؤلاء، وذلك بسبب ما لا يستحقونه من ميلي إليهم، وفق القاعدة: «إن نتيجة محبة غير مشروعة عداوة ظالمة».

وقد كنت أوثر الصمت، لعلمي أني أستحق هذا العذاب، حيث إنني قد خدمت بصفة قائد للمتطوعين في الحرب العالمية الأولى، وخضت المعارك، وضحيت بخيرة طلابي وأحبّائي مع نيل تقدير القائد العام للجيش أنور باشا. وسقطت جريحاً، وأُسرت. وبعد مجيئي من الأسر ألقيت بنفسي في المهالك، بتأليفي كتاب «الخطوات الست» الذي تحديت به الإنكليز وهم يحتلون إسطنبول. فعاونت هؤلاء الأصدقاء الذين ألقوني في عذاب الأسر بغير سبب. وكان هذا جزائي نظير معاونتي لهم، فأذاقني هؤلاء من المصاعب والمتاعب في ثلاثة شهور ما يفوق المصاعب والمتاعب التي قاسيت منها في روسيا طوال ثلاث سنوات. (154)

مواقفه في الفوضى التي ضربت أطنابها عقب إعلان الحرية

«في بداية عهد الحرية «أي إعلان الدستور» تشكلت جمعيات مختلفة للّاجئين وفي المقدمة الروم والأرمن، تحت أسماء أندية كثيرة، وسببت تفرقة القلوب -كما تشتتت الأقوام بانهدام برج بابل، وتفرقوا أيدي سبأ في التاريخ- حتى كان منهم من أصبح لقمة سائغة للأجانب، ومنهم من تردى وضل ضلالاً بعيداً (155) إذ قد عمت الفوضى والإرهاب في الأوساط بما نشرته الصحف من مقالات محرضة، وشروع الفرقاء «الأحزاب» بتسجيل أسماء الفدائيين، وسيطرة الأشخاص الذين قادوا الانقلاب، وسريان الحرية المطلقة إلى الجنود بما ينافي الطاعة العسكرية، وتلقين بعض المهملين الجنود ما يظنونه مخالفاً للآداب الدينية. وبعد أن انفرط عقد الطاعة زرع المستبدون والمتعصبون الجهلاء -والذين تنقصهم المحاكمة العقلية في الدين- البذور في ذلك المستنقع الآسن -بظن الإحسان- وظلت


Yükleniyor...