وعندها لا يمكن عدم الرأفة بهم. إلّا أن هناك رحمة خفية لأولئك الأبرياء المظلومين الذين تضرروا من ذلك البلاء النازل بالجناة.

ولقد كنت -في وقت ما في الحرب العالمية الأولى- أتألم كثيراً من المظالم والقتل الذي يرتكبه الأعداء تجاه المسلمين ولاسيما تجاه أطفالهم وعوائلهم، وكنت أتعذّب عذاباً يفوق طاقتي -لما فيّ من شفقة مفرطة ورأفة متزايدة- وحينها ورد على القلب فجأة الآتي:

إن أولئك الأبرياء المقتولين يُستشهدون ويصبحون أولياء صالحين، وإن حياتهم الفانية تُبدل إلى حياة باقية، وإن أموالهم الضائعة تصبح بحكم الصدقة فتبدل أموالاً باقية. بل حتى لو كان أولئك المظلومون كفاراً فإن لهم من خزينة الرحمة الإلهية مكافآت كثيرة بالنسبة لهم -مقابل ما عانوا من البلاء في الدنيا- بحيث لو رفع ستار الغيب فإن ما ينالونه من رحمة ظاهرة يدفعهم إلى أن يلهجوا ب»الشكر لله والحمد لله».

عرفتُ هذا، واقتنعت به قناعة تامة، ونجوت بفضل الله من الألم الشديد الناشئ من الشفقة المفرطة». (193)

مصير الأبرياء من الكفار في البلايا

«لقد مسّ مسّاً شديداً مشاعري وأحاسيسي المفرطة في الرأفة والعطف ما أصاب الضعفاء المساكين من نكبات وويلات ومجاعات ومهالك من جراء هذه الطامة البشرية التي نزلت بهم وفي هذا الشتاء القارس... ولكن على حين غرة نُبّهتُ إلى أن هذه المصائب وأمثالها تنطوي على نوع من الرحمة والمجازاة -حتى على الكافر- بحيث تهوّن تلك المصيبة، فتظل هينة بسيطة بالنسبة إليهم. وأصبح هذا التنبيه مرهماً شافياً لإشفاقي المؤلم على الأطفال والعوائل في أوروبا وروسيا، رغم أنني لم أتلق شيئاً عن أوضاع الدنيا وأخبار الحرب منذ بضعة أشهر.

نعم، إن الذين نزلت بهم هذه الكارثة العظمى -التي ارتكبها الظالمون- إن كانوا صغاراً وإلى الخامسة عشرة من العمر، فهم في حكم الشهداء، من أي دين كانوا. فالجزاء المعنوي العظيم الذي ينتظرهم يهوّن عليهم تلك المصيبة.


Yükleniyor...