سجية تحير العقول (232)

[يروي أحد الشهود هذه الحادثة قائلاً:]

عندما جُرحت وأُسرتُ في موضع «بتليس» في الحرب العالمية الأولى، وقع بديع الزمان أيضاً في اليوم نفسه أسيراً. فأُرسل إلى أكبر معسكر للأسرى في سيبريا، وأُرسلتُ إلى جزيرة «نانكون» التابعة ل«باكو».

ففي يوم من الأيام عندما يزور نيقولاي نيقولافيج المعسكر المذكور للتفتيش -يقوم له الأسرى احتراماً- وعندما يمر من أمام بديع الزمان لا يحرك ساكناً ولا يهتم به، مما يلفت نظر القائد العام، فيرجع ويمر من أمامه بحجة أخرى، فلا يكترث به أيضاً. وفي المرة الثالثة يقف أمامه، وتجري بينهما المحاورة الآتية بوساطة مترجم:

- أمَا عرفني؟

- نعم أعرفه إنه نيقولاي نيقولافيج، خال القيصر والقائد العام لجبهة القفقاس.

- فلمَ إذَن قَصَد الإهانة؟

- كلا! معذرة. إنني لم أستهن به، وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي.

- وبماذا تأمره عقيدته؟

- إنني عالم مسلم أحمل في قلبي الإيمان، فالذي يحمل الإيمان في قلبه أفضل ممن لا يحمله. فلو أنني قد قمت له احتراماً لكنت إذن قليل الاحترام لعقيدتي. ولهذا لم أقم له.

- إذن فهو بإطلاقه صفة عدم الإيمان عليّ يكون قد أهانني وأهان جيشي وأهان أمتي والقيصر فلتشكّل حالاً محكمة عسكرية للنظر في استجوابه.

وتتشكل محكمة عسكرية بناء على هذا الأمر، ويأتي الضباط الأتراك والألمان والنمساويون للإلحاح على بديع الزمان بالاعتذار من القائد الروسي وطلب العفو منه، إلّا أنه أجابهم بالآتي: «إنني راغب في الرحيل إلى دار الآخرة والمثول بين يدي الرسول الكريم (ص)، فأنا بحاجة إلى جواز سفر فحسب للآخرة، ولا أستطيع أن أعمل بما يخالف إيماني...»


Yükleniyor...