وهكذا «بعد أن أدّى بديع الزمان فريضة الجهاد في جبهة القفقاس «قائداً لفرق الأنصار» على أفضل وجه حيث حظي بتقدير القائد العام أنور باشا وقواد الفرق وإعجابهم، انسحب إلى مدينة «وان» حيث كانت القوات الروسية متجهة نحوها.

وفي أثناء إخلاء الحكومة مدينة «وان» من أهاليها لإنقاذهم من هجوم القوات الروسية عليها، قرر بديع الزمان مع قسم من طلابه الدفاع عن المدينة حتى الشهادة محتمين بقلعتها، إلّا أنه بانسحاب الوالي والقائمقام والأهلين والجيش نحو «بتليس» هجم فوج من فرسان القازاق الروسية على «وَسْطَان» فكان ملا سعيد وقلة من طلابه وما يقارب الأربعين من الجنود -الذين لم ينسحبوا بعد- يصدونهم، حتى حالوا دون سقوط أطفال الأهلين وأموالهم بيد العدو. فتمكن الأهلون جميعاً من النجاة أثناء الانسحاب دون أن ينال العدو منهم شيئاً.

ولأجل قذف الرعب في قلوب المهاجمين القازاق تظاهر هو وطلابه أنهم يحتلون تلاً يطل عليهم، مما أوحى إليهم أن مدداً عسكرياً ضخماً قد أتاهم، فحدّ بذلك من تقدم القازاق، فكان سبباً في عدم استيلاء الروس لقصبة «وسطان».

وفي أثناء تلك المعارك كان يعود إلى الخندق ويملي على طالبه النجيب «الملا حبيب» تفسير «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» بل كان يملي أحياناً وهو على صهوة جواده أو في خط الدفاع الأول حتى أتمّ القسم الأعظم من ذلك التفسير الجليل». (216)

من المقدمة التي كتبها لإشارات الإعجاز

«لقد تم تأليف تفسير «إشارات الإعجاز» في السنة الأولى من الحرب العالمية الأولى على جبهة القتال بدون مصدر أو مرجع. وقد اقتضت ظروف الحرب الشاقة وما يواكبها من حرمان أن يُكْتب هذا التفسير في غاية الإيجاز والاختصار لأسباب عديدة.

وقد بقيت الفاتحة والنصف الأول من التفسير على نحو أشد إجمالا واختصارا:

أولاً: لأن ذلك الزمان لم يكن يسمح بالإيضاح، نظراً إلى أن سعيداً القديم كان يعبّر بعبارات موجزة وقصيرة عن مرامه.


Yükleniyor...