الكرامة القرآنية الثالثة: أن قراءتها أيضاً لا تورث السأم ولاسيما إذا ما استشعرت الحاجة إليها، بل كلما قُرئت زاد الذوق والشوق ولا يُسأم منها.

وأنتم كذلك يا أخويّ قد أثبتما كرامة قرآنية رابعة، فأخونا خسرو الذي يطلق على نفسه الكسلان، وتقاعس عن الكتابة مذ أن سمع ب«الكلمات» قبل خمس سنوات فإن كتابته خلال شهر واحد لأربعة عشر كتاباً كتابةً جميلةً متقنةً كرامة للأسرار القرآنية لا شك فيها ولاسيما المكتوب الثالث والثلاثون وهي رسالة «النوافذ» التي قدّرت حق قدرها حيث كتبت أجمل وأجود كتابة. نعم، إن تلك الرسالة رسالة قوية وساطعة في معرفة الله والإيمان به إلا أن النوافذ الأولى التي في مستهل الرسالة مجملة جداً ومختصرة، علماً أنها تتوضح تدريجياً وتسطع.. حيث إن مقدمات معظم الكلمات، تبدأ مجملة ثم تتوضح تدريجياً وتتنور بخلاف سائر المؤلفات». (129)

الأنوار ملك القرآن

«إنني لا أقول هذا الكلام الذي يخص «الكلمات» تواضعاً، بل بياناً للحقيقة، وهي:أنَّ الحقائق والمزايا الموجودة في «الكلمات» ليست من بنات أفكاري ولا تعود إليّ أبداً وإنما هي للقرآن وحدَه، فلقد ترشحتْ من زلال القرآن، حتى إن «الكلمة العاشرة» ما هي إلّا قطرات ترشحتْ من مئات الآيات القرآنية الجليلة. وكذا الأمر في سائر الرسائل بصورة عامة.

فمادمتُ أعلم الأمر هكذا وأنا ماضٍ راحل عن هذه الحياة، وفانٍ زائل، فلا ينبغي أن يُربَطَ بي ما يدوم ويبقى من أثر. ومادام عادة أهل الضلالة والطغيان هي الحط من قيمة المؤلف للتهوين من شأن كتاب لا يفي بغرضهم. فلا بد إذن ألّا ترتبطَ «الرسائل» المرتبطة بنجوم سماء القرآن الكريم بسند متهرئ قابل للسقوط، مثلي الذي يمكن أن يكون موضعَ اعتراضاتٍ كثيرة، ونقدٍ كثير.

ومادام عُرفُ الناس دائراً حول البحث عن مزايا الأثر في أطوار مؤلِّفه وأحوالِه الذي يحسبونه منبعَ ذلك الخير ومحوَره الأساس، فإنه إجحاف إذن بحق الحقيقة وظلم لها -بناء على هذا العُرف -أن تكون تلك الحقائق العالية والجواهر الغالية بضاعةَ مَن هو مفلس مثلي وملكاً لشخصيتي التي لا تستطيع أن تظهر واحداً من ألف من تلك المزايا.


Yükleniyor...