وهجرتُ السياسة (76)

«وقد مرت عليَّ حادثة جديرة بالملاحظة:

رأيت ذات يوم رجلاً عليه سيماء العلم يقدح بعالم فاضل، بانحياز مغرض حتى بلغ به الأمر إلى حد تكفيره، وذلك لخلاف بينهما حول أمور سياسية، بينما رأيته قد أثنى -في الوقت نفسه- على منافق يوافقه في الرأي السياسي!. فأصابتني من هذه الحادثة رعدة شديدة، واستعذت بالله مما آلت إليه السياسة وقلت: «أعوذ بالله من الشيطان والسياسة».

ومنذئذٍ انسحبت من ميدان الحياة السياسية. (77)

« سؤال: لِمَ لا تهتم إلى هذا الحد بمجريات السياسة العالمية الحاضرة.. نراك لا تغيّر من طورِكَ أصلاً أمام الحوادث الجارية على صفحات العالم. أفترتاح إليها أم أنك تخاف خوفاً يدفعك إلى السكوت؟

الجواب: إن خدمة القرآن الكريم هي التي منعتني بشدة عن عالم السياسة بل أنستني حتى التفكر فيها. وإلّا فإن تأريخ حياتي كلها تشهد بأن الخوف لم يكبلني ولا يمنعني في مواصلة سيري فيما أراه حقاً. ثم ممَّ يكون خوفي؟ فليس لي مع الدنيا علاقة غير الأجل، إذ ليس لي أهل وأولاد أفكر فيهم، ولا أموال أفكر فيها، ولا أفكر في شرف الأصالة والحسب والنسب. ورحم الله من أعان على القضاء على السمعة الاجتماعية التي هي الرياء والشهرة الكاذبة، فضلاً عن الحفاظ عليها..

فلم يبق إلّا أجلي، وذلك بيد الخالق الجليل وحده. ومن يجرؤ أن يتعرض له قبل أوانه. فنحن نفضل أصلاً موتاً عزيزاً على حياة ذليلة.

ولقد قال أحدهم مثل سعيد القديم؛

ونحن أُناسٌ لا تَوَسّطَ بَيْننا لنا الصَدْرُ دونَ العالَمينَ أو القبرُ (78)

Yükleniyor...