لقد فاض وجاش حضرته. كان يرمي بشواظ كالبركان ويموج بحر قلبه كالطوفان. ويصب كالشلال أعمق نقاط القلب بمياه زمزمية عظيمة. لقد أخذه حماس زائد، كأنه يخطب من منصة البرلمان، لا يريد أن يقطع عليه الكلام إنسان. أحسست بالتعب الذي أصابه، فرأيت أن أغير هذا المبحث الحماسي:

- هل انزعجتم في المحكمة؟

- هل في القوانين نص يعدّ تعليم الدين والتزامَ نسائنا وأخواتنا المحترمات بالمحافظة على عفتهن وشرفهن ضمن دائرة التربية الإسلامية جريمة؟ فليجب أساتذة الجامعة المشتغلون بهذا العلم وبالحقوق عن مغزى ذلك، ومغزى اتخاذ كلمة «الحقيقة الواردة إلى القلب» دليلاً على تأسيس نفوذ شخصي.

أخَذَنا الزمان في لقاء الأستاذ مأخذاً، وحين استأذنت للمغادرة كان الوقت متأخراً.

سعيد النور وطلابه

§الأديب الشاعر عثمان يوكسل(∗)>

شيخ كبير السن وذو حظ عظيم. يلتف حوله الناس من عمر ثماني سنوات إلى ثمانين سنة. أعمارهم وعقولهم وأشغالهم شتى، لكنهم يجتمعون على شيء واحد: الإيمان بالله، بالله رب العالمين، وبرسوله الكريم (ص)، وبكتابه العظيم. ونرى كل واحد منهم كمن وجد شيئاً بعد أن ضيعه، كأن القرآن يتنزل طرياً. حينما تطّلع على سعيد النور وطلابه، تحس بنفسك في خير القرون. وجوههم نور، باطنهم نور، ظاهرهم نور... وكلهم في حضور واطمئنان. ما أعظم السعادة في ربط الآصرة بخالق الكون العلي القدوس الدائم الحاضر الناظر، وما أجمل السير في سبيله، بل عشق سبيله حتى الوله.

سعيد النور شيخ عاصر ثلاثة عهود وخبر حوادث الزمان، هي نظام المشروطية، وحكومة الاتحاد والترقي، والجمهورية. عهود زاخرة بالتغيير والانقلاب والانهدام. ما من شيء إلا وأصابه الهدم، غير رجل واحد ظل منتصباً. رجل قدم إلى إسطنبول من شواهق الشرق، من حيث تشرق الشمس، يحمل إيماناً راسخاً كالطود. جعل هذا الرجل صدره

Yükleniyor...