وإلّا لأفسد ذلك الهوى وحدتنا، وأدّى إلى تشتت الأفكار الذي ينزل قيمة الترابط والتساند من ألف ومائة وأحد عشر الناشئة من اتحاد أربعة آحاد، ينزلها إلى قيمة أربعة فحسب، ويؤدّى إلى تنافر القلوب الذي يبدّد قوتنا إزاء هذه الحادثة الثقيلة ويجعلها أثراً بعد عين.

أورد الشيخ سعدي الشيرازي(∗) صاحب كتاب «كلستان» ما مضمونه: لقد رأيت أحد المتقين من أهل القلب في زاوية -التكية- يزاول السير والسلوك، ولكن بعد مضي بضعة أيام شاهدته في المدرسة بين طلاب العلوم الشرعية، فسألته: لِمَ تركت الزاوية التي تفيض بالأنوار وأتيت إلى هذه المدرسة؟ قال: هؤلاء النجباء ذوو الهمم العالية يسعون لإنقاذ الآخرين مع إنقاذهم لأنفسهم، بينما أولئك يسعون لإنقاذ أنفسهم وحدها إن وفّقوا إليها. فالنجابة وعلو الهمة لدى هؤلاء، والفضيلة والهمة عندهم، ولأجل هذا جئت إلى هنا. هكذا سجّل الشيخ سعدى خلاصة هذه الحادثة في كتابه «كلستان».

فلئن رُجّحت المسائل البسيطة للنحو والصرف التي يقرأها الطلاب مثل: نصر نصرا، نصروا.. على الأوراد التي تُذكر في الزوايا، فكيف برسائل النور الحاوية على الحقائق الإيمانية المقدسة في «آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر». ففي الوقت الذي ترشد رسائل النور إلى تلك الحقائق بأوضح صورة وأكثرها قطعية وثبوتاً حتى لأعتى المعاندين المكابرين من الزنادقة وأشد الفلاسفة تمرداً، وتلزمهم الحجة، كم يكون على خطأ من يترك هذه السبيل أو يعطّلها أو لا يقنع بها ويدخل الزوايا المغلقة دون استئذان من الرسائل تبعاً لهواه! ويبين في الوقت نفسه مدى كوننا مستحقين لهذه الصفعة، صفعة الرحمة والتأديب. (170)

لم نفقد شيئاً يُذكر

«إخوتي الأوفياء الأعزاء

كان فيما مضى مريدون كثيرون جداً ينتمون إلى شيخ جليل، في بلد من البلدان، فقلقت منهم رجالات الدولة فيها، خوفاً من تعرضهم لأمور السياسة، فأرادوا تشتيت جماعة الشيخ. فقال لهم: ليس لي إلّا مريد واحد ونصف مريد، لا غير، وإن شئتم نُقِم عليهم التجربة والاختبار.

نصب الشيخ خيمة في ضاحية من ضواحي المدينة، ودعا الألوف من مريديه إلى هناك


Yükleniyor...