قاعدة في القراءة

في أحد الأيام كان الأستاذ يقرأ «الحزب النوري» (90) ويشرحه لنا وسألني عن مقدار ما فهمته من الدرس فأجبته بعدم الفهم، فبدأ الأستاذ يوضح الدرس أكثر فأكثر حتى فهمت الدرس فهماً تاماً. فخطر على قلبي: «إنني قد تكاملت إذ بدأت أفهم اللغة العربية جيداً». ففي أثناء الدرس كنت قد فهمت كل شئ، ولكن ما إن خرجت من غرفة الأستاذ حتى وجدت دماغي وكأنه قد مسح مسحاً فلم يبق فيه شئ.

سألني الأستاذ ذات مرة في نهاية الدرس عن مدى فهمي له أيضاً. فأجبته قائلاً: «لم أفهم الدرس جيداً». فالتفت إلي ولطمني بلطف براحة يده قائلاً: «إنك فهمت الدرس كله، فيكفيك هذا القدر من الفهم. أخشى أن يدخل شيء في نفسك فتقولَ: لقد تكاملتُ إذن، وعندها لا تكون مؤهلاً للخدمة القرآنية. إذا لم تفهم الدرس أكثر من هذا فاكتف بهذا القدر منه».

وساق مثلاً حول فهم الدرس وهو: «إذا دخلت جماعة في بستان فإنهم يتناولون من الفواكه كل بحسب ما تصل إليه قامته ويده. فالطويل يقطف من الأغصان العالية، والقصير يقطف من الأغصان الواطئة، والقسم الآخر لا يقطفون ولكن يدوسون عليها بأقدامهم ويسحقونها، فإن كنت أنت ممن تشم رائحتها فحسب يكفيك ذلك. فاقنع بهذا واشكر الله عليه». (91)

كان يعلمنا كيف نفكر

كان الأستاذ يرتقي التلال التي تشرف على مدينة إسبارطة ليشاهد فيما حواليها من مناظر الفطرة ومشاهد الطبيعة، وكانت الطريق مكسوة بأشجار الفواكه وخاصة العنب. فيمسك الأستاذ بعنقود منها -دون أن يقطعه- ويعدّ حباته مبيناً لنا ما فيه من بدائع الصنعة الإلهية والإتقان الرباني فيقول: «انظروا وتأملوا في حلويات القدرة الإلهية هذه»..


Yükleniyor...