الفصل الأول

مولد سعيد الجديد

ملاحظة

يجد القارئ الكريم أننا استرجعنا التسلسل التاريخي إلى سنة ١٩١٩م، وذلك ليسهل عليه متابعة هذه الفترة التي تبدأ بعد عودة الأستاذ النورسي من الأسر والتي تمثل مراحل المخاض لظهور «سعيد الجديد» الذي وضعت على كاهله مهمة دعوة الإيمان والقرآن في أحلك فترة مرت بها الأمة. وفي الحقيقة أننا لو استرجعنا سيرته من بدايتها لشاهدنا أن القدر الإلهي قد ساق سعيداً الطفل منذ نعومة أظفاره وهيأه لحمل هذه الأمانة؛ فنرى اللقمة الحلال ومخايل النبوغ منذ صباه، وانكشاف مواهبه عن ذكاء حاد، وقوة ذاكرة مذهلة، مع الإباء والشمم، وتشرفه ببشارة الرسول (ص) واغترافه العلوم بشتى أنواعها، وسلوكه مسلك الزهد والورع، وانقلابه الفكري لدى سماعه بمؤامرة خبيثة تحاك حول القرآن الكريم وتوجهه الكلي نحوه، ثم جهاده الفعلي لإنقاذ دولة الخلافة آنذاك وما أعقبه من مكابداته النفسية في الأسر، وصحوته الروحية هناك وعودتها بعد فكاكه من الأسر ثم ما حدث في وجدانه من تحول عظيم بنذير الشيخوخة والتفكر بالموت وتوحيد قبلة توجّهه إلى القرآن الكريم بعد قراءته لكتاب الشيخ الكيلاني والإمام الرباني، وظهور بوادر تحول هائل في حياته حتى رغب في الانزواء عن الناس فانسحب إلى تل يوشع ودخل مسلك التفكر والتأمل نافضاً ما علق في فكره من لوثات الفلسفة فكتب معاناته النفسية وانقلابه الروحي وانكشافه القلبي في «مثنويّه» حتى اكتمل سعيداً جديداً في طريق قرآني هو: العجز والفقر والشفقة والتفكر، علماً أنه لم ينس واجبه في التبليغ في هذه الفترة إذ تصدى لدسائس الإنكليز وسعى سعياً حثيثاً في أنقرة لتوجيه دفة الانقلاب لصالح الإسلام إلا أنه شاهد علامات الدجال والسفياني على من بيده السلطة فتيقن أنه لا يمكن المواجهة إلا بإعجاز القرآن فاعتزل أمور السياسة كلياً متوجها إلى «وان» ليستعد لحمل الأمانة الثقيلة.. وهكذا نشاهد كيف أمرّته العناية الإلهية من مرحلة إلى أخرى لينصرف «سعيد الجديد» كلياً إلى مهمة إنقاذ الإيمان.


Yükleniyor...