أميّز بين الثلاث الكبيرات؛ إذ لم أكن أسدد النظر إليهن كي أعرفهن وأميّز بينهن. حتى نزل أحد العلماء يوماً ضيفاً عليّ، فعرفهن في ظرف يومين فقط وميّز بينهن، فأخذت الحيرة الذين من حولي، لعدم معرفتي إياهن. وبدؤوا بالاستفسار: «لماذا لا تنظر إليهن؟». فكنت أجيبهم: «صون عزة العلم يمنعني من النظر الحرام!»». (64)

حفظ المتون

وعندما ناهز الملا سعيد سن البلوغ في بتليس، بدأت سانحاته القلبية وفيوضاته الوهبية -التي كان يتغلب بها على العلماء في مناظراته- تقل شيئاً فشيئاً. ولا يعرف السبب الحقيقي في هذا التغير الذي طرأ على حالاته، فلربما هو من مقتضيات سن البلوغ، أو من اهتمامه بالأمور الاجتماعية والسياسية. لذا انكب على حفظ المتون من كل علم، فحفظ عن ظهر قلب خلال سنتين من متون الكتب ك«المطالع» (65) و«المواقف» وأمثالهما من الكتب التي تردّ الشبهات وتدفع الشكوك الواردة على الدين، فضلاً عن حفظه متون كتب العلوم الآلية كالنحو والصرف والمنطق وغيرها، ومتون كتب العلوم العالية كالتفسير وعلم الكلام والحديث والفقه. فبدأ بحفظ متن كتاب «المرقاة» (66) دون حواشيه وشروحه، ثم قارن بين وجهة نظره ومبلغ فهمه، وما ورد في حواشي الكتاب وشروحه. فرأى أن جميع مسائله مطابقة لما في ذهنه، إلّا في ثلاث كلمات، لم تتطابق مع الشرح. واستحسن العلماء عمله هذا وأعجبوا به.

ولهذا اهتم بحفظ تلك المتون من أمهات الكتب الإسلامية في مختلف العلوم والفلسفة، لتصبح مفاتيح للحقائق القرآنية، ورداً للشبهات الواردة على الدين. (67)

[واستمر على ذلك حتى نهاية عمره فيقول عن نفسه:] «إن ومضة نور معنوي، في دماغ إنسان يملك قوة حافظة لا تتجاوز حجم ظفر، هذا الشخص أدرج في دماغه كلمات تسعين كتابا، ويتم قراءة هذا الجزء فقط من حافظته في ثلاثة أشهر بمعدل ثلاث ساعات يومياً، ويمكنه أن يراجع ويخرج من تلك الحافظة ما يشاء ومتى يشاء مما شاهده وسمعه وما تراءى أمامه من صور ومعان وكلمات أعجب بها أو تحير منها، أو رغب فيها.. مع جميع الصور


Yükleniyor...