بدو العرب. ومكث فيها مدة حتى طرق سمعه أن مصطفى باشا قد عاد إلى عادته القديمة في ظلم الناس. فذهب إليه وأبدى له النصائح مدة ثم هدده قائلاً: «أوَ بدأت بالظلم مرة أخرى؟ سأقتلك باسم الحق».

ولكن كاتب الباشا تدخل في الأمر وهدّأ الموقف، بينما الملا سعيد استمر في تعنيفه الباشا وتوبيخه لكثرة مظالمه، فلم يتحمل الباشا هذه الإهانات وهمّ بقتله فحال شيوخ عشيرة «ميران» دون ذلك. ثم تقرّب نجل الباشا «عبد الكريم» من الملا سعيد ورجاه قائلا: لا تكترث بصنيع أبي إنه لا يسمع كلاماً من أحد.. عقيدته فاسدة.. أرجوك رجاء خالصاً أن تتشرف إلى مكان آخر.. فمال الملا سعيد إلى كلام عبد الكريم ورجائه، وغادر المكان متوغلاً في صحراء «بيرو» وإذا به يصادف الأشقياء المسلحين بالحراب والخناجر، ولما كان الملا سعيد يحمل بندقية أطلق عليهم عدة عيارات نارية، فانصرفوا. واستمر في سيره إلّا أنه بعد مدة رأى نفسه محاصراً بين عدد من قطاع الطرق، وعندما همّوا بقتله لمحه أحدهم وقال: «إنه شخص مشهور شاهدته في عشيرة «ميران»».

وما إن سمعوا هذا الكلام حتى أخلوا سبيله معتذرين منه، بل أرادوا مرافقته لئلا يصيبه أذى في تلك الأماكن الخطرة. فردّ الملا سعيد طلبهم واستمر في طريقه وحده.

وبعد أيام وصل إلى ماردين، فأراد علماؤها الاعتراض عليه وإفحامه في المناقشات، ولكنهم لم يوفقوا، بل رضوا به أستاذاً لهم، لما لمسوا منه من قدرة علمية فائقة، رغم أنه شاب وفي عمر أبنائهم.

وفي هذه الأثناء التقى طالبين؛ أحدهما من طلاب السيد «جمال الدين الأفغاني» والآخر من منتسبي الطريقة السنوسية، فاطلع بوساطتهما على منهج السيد جمال الدين الأفغاني والطريقة السنوسية». (57)

بداية اهتمامه بالسياسة وأمور العالم الإسلامي

لقد التقيت شخصاً فاضلاً حوالي مدينة ماردين وذلك قبل الانقلاب (58) بست عشرة سنة، فأرشدني إلى الحق وبيّن لي المسلك المعتدل القويم في السياسة. فأفقت من نومي برؤيا


Yükleniyor...