الأمر هكذا؟ فها أنذا آليتُ على نفسي ألّا أخاطبكم، فأدير إليكم ظهري وأتوجه بالخطاب إلى القادمين في المستقبل:

أيا من اختفى خلف عصر شاهق لما بعد ثلاثمائة سنة، (195) يستمع إلى كلمات النور بصمت وسكون، ويلمحنا بنظر خفي غيبي.. أيا من تتسمّون ب«سعيد وحمزة، وعمر وعثمان وطاهر ويوسف وأحمد وأمثالهم» إنني أتوجه بالخطاب إليكم:

ارفعوا هاماتكم وقولوا: «لقد صدقت» وليكن هذا التصديق ديْناً في أعناقكم. إن معاصريّ هؤلاء وإن كانوا لا يعيرون سمعاً لأقوالي، لندعهم وشأنهم، إنني أتكلم معكم عبر أمواج الأثير الممتدة من الوديان السحيقة للماضي -المسمّى بالتاريخ- إلى ذرى مستقبلكم الرفيع. ما حيلتي لقد استعجلت وشاءت الأقدار أن آتي إلى خضم الحياة في شتائها.. أما أنتم فطوبى لكم ستأتون إليها في ربيع زاهر كالجنة، إن ما يزرع الآن ويستنبت من بذور النور ستتفتح أزاهير يانعة في أرضكم.. نحن ننتظر منكم لقاء خدماتنا.. إنكم إذا جئتم لتعبروا إلى سفوح الماضي، عوجوا إلى قبورنا، واغرسوا بعض هدايا ذلك الربيع على قمة القلعة». (196)

سنة ١٩١١م/ ١٣٢٩ه

إلى الشام

[سافر إلى الشام شتاءً في أواخر سنة ١٩١٠م (١٣٢٩ه) وهناك ألقى خطبة في الجامع الأموي، ثم طبعت في رسالة سميت «الخطبة الشامية»]

من مقدمة الخطبة الشامية

«هذه الرسالة العربية قد أُلقيتْ درساً في الجامع الأموي بدمشق منذ أربعين عاماً، (197) وذلك بناءً على إصرار العلماء هناك، واستمع إليها ما يقرب من عشرة آلاف شخص، بينهم ما لا يقل عن مائة من كبار علماء الشام.

إن الحقائق الواردة فيها، قد أحسَّها «سعيد القديم» بإحساس مسبق، فزفّها بشائر


Yükleniyor...