مظفريةٍ لحرب لم يبق للعدوّ في شئ منها مطمَع وأدنى ممسك.. فما كتبتُ إلّا ما شاهدتُ.. بحيث لم يبق لنقيضه عندي إمكانٌ وهمي.. (29)

وإنني أعترف وأنادي بأعلى صوتي: بأني عاجز، قاصر في الإفهام، لكن أقول تحديثاً بالنعمة وأداء للأمانة بأني لا أخدعكم، إنما أكتب ما أشاهد أو أتيقن عين اليقين أو علم اليقين». (30)

سنة ١٩٢٢م/ ١٣٣٩ه

نفور من الحياة الاجتماعية وانقلاب روحيّ

«بعدما نجوت من أسر الروس في الحرب العالمية الأولى، لبثت في إسطنبول لخدمة الدّين في «دار الحكمة الإسلامية» حوالي ثلاث سنوات. ولكن بإرشاد القرآن الكريم وبهمّة الشيخ الگيلاني، وبانتباهي بالشيخوخة، تولّد عندي سأم وملل من الحياة الحضارية في إسطنبول، وبت أنفر من حياتها الاجتماعية البهيجة، فساقني الشوق والحنين المسمى ب«داء الغُربة» إلى بلدتي، إذ كنت أقول: ما دمت سأموت فلأمت إذن في بلدتي. (31)

نعم، هكذا جاءني النفور من تلك الحياة الدنيوية البهيجة في إسطنبول التي ظاهرها اللذة، من ذلك التأمل والنظر في شعيراتٍ بيضاء لرأسي ولحيتي، ومن عدم الوفاء الذي بدر من الصديق الوفي المخلص.. حتى بدأت النفس بالبحث والتحري عن أذواق معنوية بدلا عما افتتنت به من أذواق، فطلبت نوراً وسلواناً في هذه الشيخوخة التي تبدو ثقيلة ومزعجة ومقيتة في نظر الغافلين. فلله الحمد والمنّة وألف شكر وشكر له سبحانه أن وفقني لوجدان تلك الأذواق الإيمانية الحقيقية الدائمة في «لا إله إلّا هو» وفي نور التوحيد بدلا من تلك الأذواق الدنيوية التي لا حقيقة لها ولا لذة فيها، بل لا خير في عقباها. وله الحمد أن وفقني كذلك لأجد الشيخوخة خفيفة الظل أتنعم بدفئها ونورها بخلاف ما يراه أهل الغفلة من ثقل وبرودة. (32)

ففي بداية شيخوختي ومستهلها، ورغبة منّى في الانزواء والاعتزال عن الناس، بحثَتْ


Yükleniyor...