دون فائدة تعود عليّ. فقال أحد موظفي القطار: «أعطني خمسة قروش لأنتقيَ لك الكميةَ المناسبة التي تريدُها من تلك الأزهار والأثمار، فإنك تخسر بجروحك هذه أضعاف أضعاف ما تحصل عليه بخمسة قروش فضلاً عن أن هناك عقاباً على صنيعك هذا، حيث إنك تقطفها من غير إذن». فاشتدّ عليّ الكربُ في تلك الحالة فنظرت أتطلّع من النافذة إلى الأمام لأتعرّف نهايةَ النفق، فرأيت أن هناك نوافذَ كثيرةً وثغوراً عدة قد حلت محلَّ نهاية النفق وأن مسافري القطار يُقذَفون خارجاً من القطار إلى تلك الثغور والحفر، ورأيت أن ثغراً يقابلني أنا بالذات أُقيمَ على طرفيه حجرٌ أشبهُ ما يكونُ بشواهدِ القبر، فنظرت إليها بكل دقة وإمعان فرأيتُ أنه قد كُتب عليهما بحروفٍ كبيرة اسم «سعيد» فصرختُ من فرقي وحيرتي: يا ويلاه! وآنذاك سمعتُ صوت ذلك الرجل الذي أطال عليّ النصح في باب الملهى وهو يقول:

- هل استرجعتَ عقلك يا بني وأفقتَ من سكرتك؟.

- نعم ولكن بعد فوات الأوان، بعد أن خارتْ قواي ولم يبقَ لي حولٌ ولا قوة.

- تُب وتوكّل.

- قد فعلت.

ثم أفقتُ وقد اختفى سعيدٌ القديم ورأيتُ نفسي سعيداً جديداً». (37)

مسلك التفكر

«وعندما انقلب سعيد القديم إلى سعيد الجديد قبل ثلاثة وعشرين عاماً، سالكاً مسلك التفكر، بحثتُ عن سرّ «تفكرُ ساعةٍ خير من عبادة سنة». (38) وفي كل عام أو عامين كان ذلك السرّ يغيّر من شكله فينتج إما رسالة عربية أو رسالة تركية. وقد دامت تلك الحقيقة وهي تتلبّس الأشكال المختلفة ابتداء من رسالة «قطرة» العربية، وانتهاء إلى رسالة «الآية الكبرى»، حتى أخذت شكلها الدائم في «الحزب النوري». (39) ومنذ عشرين عاماً، كلما تملّكني الضيق وأصاب الفكرَ والقلبَ إرهاقٌ، ولجأت إلى قراءة قسم من ذلك الحزب بتأمل، فإذا به يزيل

Yükleniyor...