سنة ١٩٢١م/ ١٣٣٩ه

إرشاد القرآن الكريم

«بعدما رجعت من الأسر، سيطرت الغفلةُ عليّ مرة أخرى طوال سنتين من حياتي في إسطنبول، حيث الأجواء السياسية وتياراتها صرفت نظري عن التأمل في نفسي، وأحدثت تشتتاً في ذهني وفكري.

فحينما كنت جالساً ذات يوم في مقبرة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وعلى مرتفع مطلّ على وادٍ سحيق، مستغرقاً في تأمل الآفاق المحيطة بإسطنبول، إذا بي أرى كأن دنياي الخاصة أوشكت على الوفاة، حتى شعرت -خيالاً- كأن الروح تنسل منها انسلالاً من بعض نواحيّ. فقلت: تُرى هل الكتابات الموجودة على شواهد هذه القبور هي التي دعتني إلى هذا الخيال؟

أشحتُ نظري عن الخارج وأنعمت النظر في المقبرة دون الآفاق البعيدة فألقى في روعي: أن هذه المقبرة المحيطة بك تضم مائة إسطنبول! حيث إن إسطنبول قد أفرغت فيها مائة مرة، فلن تُستثنى أنت وحدك من حكم الحاكم القدير الذي أفرغ جميع أهالي إسطنبول هنا، فأنت راحل مثلهم لا محالة..!

غادرت المقبرة وأنا أحمل هذا الخيال المخيف، ودخلت الغرفة الصغيرة في محفل جامع أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه والتي كنت أدخلها مراراً في السابق فاستغرقت في التفكير في نفسي: «إنما أنا ضيف! وضيف من ثلاثة أوجه؛ إذ كما أنني ضيف في هذه الغرفة الصغيرة، فأنا ضيفٌ كذلك في إسطنبول، بل أنا ضيف في الدنيا وراحل عنها كذلك، وعلى المسافر أن يفكر في سبيله ودربه.

نعم، كما أنني سوف أخرج من هذه الغرفة وأغادرها، فسوف أترك إسطنبول ذات يوم وأغادرها، وسوف أخرج من الدنيا كذلك».

وهكذا جثمت على قلبي وفكري وأنا في هذه الحالة، حالةٌ أليمة محزنة مكدّرة. فلا غرو إنني لا أترك أحباباً قليلين وحدهم، بل سأفارق أيضاً آلاف الأحبة في إسطنبول، بل سأغادر

Yükleniyor...