وقبل وصولنا إلى «أرَكْلي» جلس الأستاذ في مكانه ومد يديه ماسكاً أذني وأذن الأخ زبير من الخلف قائلاً لنا: «أبنائي، لا تخافوا أبداً، فقد قصمت رسائل النور ظهر الملحدين والشيوعيين، فرسائل النور غالبة دائماً بإذن الله».

كرر هذا القول عدة مرات، وكان صوته واطئاً جداً بحيث لا نكاد نسمعه، ثم قال: «هؤلاء لم يفهموني، هؤلاء لم يفهموني، هؤلاء لم يفهموني، هؤلاء أرادوا أن يلوثوني بالسياسة».

ثم نزلنا من السيارة لأداء صلاة العصر. ولكن الأستاذ ظل داخل السيارة وصلى هناك.

وعندما حان وقت المغرب وصلنا «أولو قشلة» فقال الأستاذ: «هل لنا بشيء من الأكل؟»

فنزلنا -أنا والأخ زبير- واشترينا من المطعم قليلاً من الرز، وأردنا أن نهيئ الطعام، ولكن الموقد الذي نحمله ما كان يصلح لهذا لغرض، فأخذنا موقد حارس سكة الحديد هناك.. كان الجو بارداً جداً، فتوسلت بالحارس ليعيرنا موقده وقلت له: إن معنا شيخاً مريضاً وإن موقدنا معطوب. فرضي الحارس.

بدأنا نحضر الطعام، ظل الأخ زبير مع الأستاذ داخل السيارة. وضعنا قليلاً جداً من الزبدة والبيض مع شيء من اللبن، فأخذ الأستاذ ملعقة منه ليضعه في فمه ولكنه لم يستطع الأكل، لانسداد بلعومه من شدة المرض.

مررنا من «أطَنه» ليلاً ثم من «جيحان»، وصلينا العشاء في ضواحيها. ثم استرخى الأخ حسني لينام ساعة حيث كان يقود السيارة باستمرار. وعند السحور وصلنا «العثمانية» ودخلناها للتزود بالوقود، ولنتناول السحور، إلّا أن الأستاذ لم يذق شيئاً قط. ثم أقمنا صلاة الفجر قرب «ألمان بناري» والأستاذ لم يغادر السيارة. كانوا يطلقون على هذا الجبل سابقاً «كاوورداغي» (أي جبل الكفر) والآن يطلقون عليه «نور داغى» (أي جبل النور).

وعند انبلاج الصباح وصلنا «غازي عنتاب» فاشتريت من المطعم شيئاً من الحساء وسألت عن الطريق إلى «نِزيب»، حيث كانت الثلوج والأمطار تتساقط بشدة. وكان الطريق محفوفاً بالمخاطر فترى السيارات عاطلة على جانبي الطريق، أما سيارتنا -والفضل لله- فكانت تسبق الريح ولم تتعطل لا في إطاراتها ولا في محركها، والحمد لله.


Yükleniyor...