وقبل أن تتحرك السيارة جاءت صاحبة البيت «السيدة فطنة» إلى سيارة الأستاذ، فودعها الأستاذ قائلاً: «أختي! أستودعكن الله نرجو دعاءكن، فأنا مريض جداً..»

كان الأستاذ يقول هذا بحزن شديد، حيث إن اللحظات هي لحظات فراق، حتى إن عيون صاحبة البيت طفحت بالدموع.. وقد قالت للأخ طاهري: «إنني -والله- وجلة من سفر الأستاذ في هذه المرة، إنه ذاهب ليبحث عن مستقره (أي قبره)».

وقبل المغادرة أوصينا الأخ طاهري بعدم فتح الباب لأي طارق، وأن يذهب لينام. فنفذ الأخ ما أوصيناه.

فبدأ الشرطة يسألون صاحبة البيت: «ألا تعلمين، متى ذهب الأستاذ وإلى أين؟»

فكانت تجيبهم: «وهل أنا حارسة، كيف أدري، وأنتم لا تدرون..؟»

كانت الأمطار تهطل بغزارة أثناء مغادرتنا إسبارطة، وكنا نخاف كثيراً من كيد والي «قُونيا» حيث كان يصرح للصحف: «سأجتث جذور طلاب النور وأقلعها من الأعماق».

لذا كنا نقرأ على طول الطريق آية الكرسي وباستمرار دفعاً لشره.

اشتد المطر نازلا بغزارة أكثر عند وصولنا إلى «أغريدر» بحيث لم يبق أحد من الشرطة في الشارع، فدخلوا جميعاً إلى بناية مركز الشرطة، حتى إننا مررنا من أمام المركز ولم يرنا أحد. وهكذا تركنا المدينة. ثم وضعنا الطين على لوحة السيارة لئلا يرانا أحد من المراقبين. وبعد أن تركنا «قره أغاج» أصبح الأستاذ في عافية، فنزل من السيارة وجدد الوضوء. وبعد أن قطعنا مسافة عدة كيلومترات من هناك وقفنا على شمال الطريق عند النبع، فصلى الأستاذ فوق صخرة هناك، ثم بدأنا السير، وقبل أن نصل «قونيا» أنهى الأستاذ أذكاره وأوراده، واستعدل في مكانه على المقعد الخلفي، ولكن ما إن وصلنا حدائق «مرام» في ضواحي قونيا حتى اشتد مرض الأستاذ مرة أخرى ولم يتمكن من النطق. فدخلنا المدينة واشترينا فيها من دكان زيتوناً وجبناً استعداداً للإفطار، ودفع الأستاذ ثمنه وقال: «أبنائي أنا مريض جداً، كلوا أنتم بدلاً عني».

وبفضل الله فقد وسعتنا عنايته الكريمة حيث لم يشاهدنا -والحمد لله- أحد في المدينة، بل ولا في المدن التي تلت قونيا.

Yükleniyor...