حتى إيجار البيت بنفسه. ثم كان أستاذنا يكره كراهية شديدة التكلف والتصنع والتعظيم، ويأمر طلابه بالابتعاد عن التكلف قائلا: «إن التكلف منهي عنه شرعا وحكمةً، لأنه يسوق إلى تجاوز الحد المعروف، والمتكلفون لا ينجون من التظاهر والتفاخر والرياء الثقيل، وكل ذلك يفسد الإخلاص».
ثم كان في غاية التواضع؛ يتجنب بشدة دواعي التفوق على الآخرين والتميز عنهم. وكان يعامل جميع الناس بالحسنى ولا سيما الشيوخ والأطفال والفقراء ويشملهم بالرفق والمحبة الأخوية واللين في المعاملة. فكانت المحبة والبشاشة الممتزجة بنور الوقار تتلمع من وجهه الطليق دائماً، فلا نرى فيه غير آثار الأُلفة والأنس مع الهيبة والجلال، نعم كان مبتسما على الدوام، وأحيانا تظهر عليه المهابة والصرامة بحيث ينعقد لساننا عنده ولا نتفوه بشيء.
أما كلامه، فكان قليلاً وموجزاً، لم نر منه ذما قط، وما كان يقبل أن يغتاب عنده أحد، بل كان يستر الهفوات والأخطاء، ويُحسن الظن بالآخرين حتى لا يدع أحدا ينقل إليه كلام سوء كأن يقول: إن فلانا قد قال بحقك كذا وكذا، فيرد ويقول: «كلا.. هذا غير صحيح، فإن ذلك الشخص لا يقول شيئاً كهذا قطعاً». ويسكت القائل.
وكان له قدم راسخ في محاسبة النفس والمجاهدة. فلم يحقق رغبات نفسه وحظوظها، حتى إنه ما كان يأكل إلا ما يسد الرمق ولا ينام إلا قليلا ويقضى الليل في عبادة خاشعة تلفت الأنظار، وكان هذا دأبه مهما تبدلت المواسم، ولم نر منه أنه ترك التهجد قطعا ولا أوراده ومناجاته، حتى في أوقات مرضه. وحينما ظل لا يتمكن من الإفطار طوال ستة أيام في شهر لشدة ما كان يعانيه من المرض، لم يدع عبادته وتهجده، حتى كان جيرانه في حيرة من أمر عباداته وخشوعه وتضرعه ليلاً -صيفاً وشتاءً- وكانوا ينصتون إلى مناجاته النابعة من قلب مجروح.
كان أستاذنا يراعي أمور الطهور والنظافة المطلوبة شرعا مراعاة شديدة، ويظل على وضوء دائم، ويراعي الزمن فلم يصرف وقته سدى أبدا، فإما نراه يؤلف رسائل النور أو يصححها أو يقرأ الأوراد والأذكار أو يستغرق في عبادة التفكر والتأمل في آيات الله. وكان هذا دأبه في الحل والترحال؛ إذ كنا نخرج معه أيام الصيف إلى الغابة البعيدة، فكان يصحح
ثم كان في غاية التواضع؛ يتجنب بشدة دواعي التفوق على الآخرين والتميز عنهم. وكان يعامل جميع الناس بالحسنى ولا سيما الشيوخ والأطفال والفقراء ويشملهم بالرفق والمحبة الأخوية واللين في المعاملة. فكانت المحبة والبشاشة الممتزجة بنور الوقار تتلمع من وجهه الطليق دائماً، فلا نرى فيه غير آثار الأُلفة والأنس مع الهيبة والجلال، نعم كان مبتسما على الدوام، وأحيانا تظهر عليه المهابة والصرامة بحيث ينعقد لساننا عنده ولا نتفوه بشيء.
أما كلامه، فكان قليلاً وموجزاً، لم نر منه ذما قط، وما كان يقبل أن يغتاب عنده أحد، بل كان يستر الهفوات والأخطاء، ويُحسن الظن بالآخرين حتى لا يدع أحدا ينقل إليه كلام سوء كأن يقول: إن فلانا قد قال بحقك كذا وكذا، فيرد ويقول: «كلا.. هذا غير صحيح، فإن ذلك الشخص لا يقول شيئاً كهذا قطعاً». ويسكت القائل.
وكان له قدم راسخ في محاسبة النفس والمجاهدة. فلم يحقق رغبات نفسه وحظوظها، حتى إنه ما كان يأكل إلا ما يسد الرمق ولا ينام إلا قليلا ويقضى الليل في عبادة خاشعة تلفت الأنظار، وكان هذا دأبه مهما تبدلت المواسم، ولم نر منه أنه ترك التهجد قطعا ولا أوراده ومناجاته، حتى في أوقات مرضه. وحينما ظل لا يتمكن من الإفطار طوال ستة أيام في شهر لشدة ما كان يعانيه من المرض، لم يدع عبادته وتهجده، حتى كان جيرانه في حيرة من أمر عباداته وخشوعه وتضرعه ليلاً -صيفاً وشتاءً- وكانوا ينصتون إلى مناجاته النابعة من قلب مجروح.
كان أستاذنا يراعي أمور الطهور والنظافة المطلوبة شرعا مراعاة شديدة، ويظل على وضوء دائم، ويراعي الزمن فلم يصرف وقته سدى أبدا، فإما نراه يؤلف رسائل النور أو يصححها أو يقرأ الأوراد والأذكار أو يستغرق في عبادة التفكر والتأمل في آيات الله. وكان هذا دأبه في الحل والترحال؛ إذ كنا نخرج معه أيام الصيف إلى الغابة البعيدة، فكان يصحح
Yükleniyor...