في الطريق أو يستمع إلى ما نقرؤه من الرسائل أو يدرسنا شيئاً من أحد مؤلفاته القديمة.. وهكذا.. فما كنا نشعر بسأم ولا تعب مع الأستاذ حتى ولو كان الدرس من الصباح إلى المساء، ومشيا على الأقدام.

كان أستاذنا يقول: «منذ عشرين سنة لم أقتن ولم أقرأ غير كتاب الله ورسائل النور». لذا كان يفضل العمل لرسائل النور التي هي تفسير للقرآن على أي شيء آخر. تُرى ما حاجة من أفاض الله على قلبه من فيض قرآنه المجيد إلى غيره؟

نعم، لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على أستاذنا في أثناء تأليف رسائل النور قدرة بلاغية عجيبة وقابليةَ كلامٍ بديع قد لا يوفق إليها الكثيرون. فتلك الرسائل ألفت في حالات من الاغتراب والمرض والمراقبة والضيق بل ضمن ظروف لا تطاق، ولكن بتوفيق من الله سبحانه، وإسعافا للمؤمنين، ورغم جميع المشاكل والمعوقات، ألفت تلك الرسائل في الجبال والوديان والفيافى والبساتين، بعيدا عن أنظار المراقبة وأحيانا دون أن يكون لديه كاتب يعينه. وهكذا فالعناية الإلهية قد أحاطت بأستاذنا إحاطة خارقة في أثناء تأليفه الرسائل، فالحمد لله والشكر له وحده، إذ فتح الله سبحانه أمامه الكائنات كتابا واضحا ووهب له قدرة مطالعته بالكشف والشهود حتى بلغ مرتبة حق اليقين، فهذه الآثار ليست إلا حصيلة توفيق رباني، إذ بيّن فيها حقائق القرآن الكريم ومعارفه بما فيها الآيات التشريعية والآيات الكونية.

ففي الوقت الذي ينبغي أن يكون هذا «السعيد» المسعود موضع فخر واعتزاز بما بيّن للبشرية بنور القرآن المبين طريق العروج إلى أعلى مراتب المعرفة الإلهية، برسائل النور، قام أهل الشقاء بنقيض ذلك فتجرّأوا على تسميمه مرات ومرات. وربما كان ذلك من مقتضيات الحكمة الإلهية حيث تنزل المصائب والبلايا على ورثة الأنبياء والصالحين كما هو ثابت في الحديث الشريف «أشَدّ الناسِ بَلاءً الأنبيَاءُ ثُم الصّالحُونَ ثم الأمثلُ فالأمثل» . (1) حتى رماه الصبيان بالحجارة حينما خرج من بيته يوما في قسطموني قاصداً الوضوء من النبع، ولكنه تحمل وتجمل بالصبر، ولم يحمل في صدره غير السلامة وفي قلبه غيرَ الطهر لأولئك الصبيان، فلم يغضب ولم يحقد عليهم بل دعا لهم بالخير وقال: «لقد أصبح هؤلاء سببا لكشفي سرا من


Yükleniyor...