إلى غيره من الأغصان، إما لجهله به أو لعدم التفاته إليه، وكأن هناك نوعا من تقسيم الأعمال فيما بينهم.

نعم، إن الحقيقة المطلقة لا تحيط بها أنظار محدودة مقيدة، إذ تلزم نظرٌ كليّ كنظر القرآن الكريم ليحيط بها، فكل ما سوى القرآن الكريم -ولو تَلقّى الدرس منه- لا يرى تماماً بعقله الجزئي المحدود إلا طرفاً أو طرفين من الحقيقة الكاملة فينهمك بذلك الجانب ويعكف عليه، وينحصر فيه، فيخل بالموازنة التي بين الحقائق ويزيل تناسقها إما بالإفراط أو التفريط».

يُفهم من هذه الفقرة، ومن كلام الأستاذ نفسه أن رسائل النور لكونها تفسيرا للقرآن الكريم قد أخذت لُميعة من هذه الخاصية المعجزة الجامعة الكلية. نورد مثالا واحدا فقط لذلك: «إنك تقول -يا أخي- في رسالتك: إن المفسرين قالوا لدى تفسيرهم ﹛﴿رَبِّ الْعَالَم۪ينَ﴾|﹜ أن هناك ثمانية عشر ألف عالم، وتستفسر عن حكمة ذلك العدد؟

أخي إنني الآن لا أعلم حكمة ذلك العدد، ولكني أكتفي بالآتي: إن جمل القرآن الحكيم لا تنحصر في معنى واحد، بل هي في حكم كلي يتضمن معاني لكل طبقة من طبقات البشرية، وذلك لكون القرآن الكريم خطابا لعموم طبقات البشر. لذا فالمعاني المبينة هي في حكم جزئيات لتلك القاعدة الكلية، فيذكر كلُّ مفسر، وكل عارف بالله جزءاً من ذلك المعنى الكلي ويستند في تفسيره هذا إما إلى كشفياته أو إلى دليله أو إلى مشربه، فيرجح معنى من المعاني. وقد كشفت طائفة في هذا أيضا معنى موافقا لذلك العدد.

فمثلا يذكر الأولياء في أورادهم ويكررون باهتمام بالغ قوله تعالى: ﹛﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ❀ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾|﹜ (الرحمن:١٩-٢٠) ولهذه الآية الكريمة معان جزئية ابتداء من بحر الربوبية في دائرة الوجوب وبحر العبودية في دائرة الإمكان، وانتهاء إلى بحرَي الدنيا والآخرة، وإلى بحرَي عالم الشهادة وعالم الغيب، وإلى البحار المحيطة في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب، وإلى بحر الروم وبحر فارس، والبحر الأبيض والأسود، وإلى المضيق بينهما الذي يخرج منه السمك المسمى بالمرجان، وإلى البحر الأحمر وقناة السويس، وإلى بحار المياه العذبة والمالحة، وإلى بحار المياه الجوفية العذبة المتفرقة والبحار المالحة التي على ظهر الأرض


Yükleniyor...