إن لم يكن صاحب وفاء لأمة راقية كالألماس، ولم يكن صاحب فكر رفيع، كيف يستطيع أن يستر حيلته وفكره الفاسد طوال هذا الزمان مع تميّزه عن الآخرين؟ إنني أعدّ الحيلة في ترك الحيل. فإذن قد شعر بقلبه وفاءً خالصاً صافياً يفوق الجميع حتى وجد نفسه في مثل هذه الأحوال.

وقد صدق الشاعر:

وكَم مِنْ عائبٍ قولاً صحيحاً وآفتُه من الفَهمِ السَقيمِ (93)

بمعنى أن فهم أطبائنا هو فهم سقيم.. فهم مجانين بحكم تقاريرهم الطبية، وأن وزير الأمن هو الآخر مجنون لشدة حدّته وغضبه.

أيها الطبيب!

إن كنتَ طبياً حاذقاً فداو نفسك قبل أن تداويني.

ويا أيها الناظرون إلى كلامي هذا! إن كان فيه ما يجرح شعوركم، أو لا تهضمه معدتكم الضعيفة، فاعذروني لأنني قلته في وقت الجنون حينما كنت بين جدران مستشفى المجاذيب... ولا شك أن تأثير المحيط أمر مسلّم به. لأن «ديوانه را قلم نيست» بمعنى أن القلم رفع عن المجنون. فالأمي الجاهل أي الحر، والكردي الذي لا يتقن التركية يمكن أن يبين مرامه بهذا القدر. والسلام». (94)

«أستولت على الطبيب الحيرة بعد سماعه هذا الكلام، فأدرك مدى جديته وسعيه الحثيث في خدمة الوطن ونفع الأهلين في كسب المعرفة، وكيف أنه في قمة الذكاء فكتب تقريراً ضمّنه هذا الكلام: «لا يوجد بين القادمين إلى إسطنبول من يملك ذكاءً وفطنة مثله. إنه نادرة العالم!» وعلى إثر هذا التقرير حلّت الدهشة والهلع في صفوف المسؤولين في القصر، فأصدروا أمراً مستعجلاً بأخذ سعيد فوراً من المستشفى إلى الموقف. وبعثوا مع وزير الأمن «شفيق باشا» أمراً إدارياً يتضمن تخصيص مبلغ قدره ثلاثون ليرة ذهبية مرتّباً شهرياً مع مبلغ من التبرعات وذلك لأجل إبعاده عن إسطنبول». (95)

Yükleniyor...