ثم سأله «الملا فتح الله»: «حسناً.. إن ذكاءك خارق، ولكن دعنا نرى قوة حفظك! فهل تستطيع أن تحفظ بضعة أسطر من كتاب «مقامات الحريري» بعد قراءتها مرتين؟»

وتناول الملا سعيد الكتاب، وقرأ منه صحيفة واحدة مرة واحدة، فإذا بها كافية لحفظها. وقرأها لأستاذه حفظاً، فلم يملك أستاذه نفسه من القول في إعجاب ودهشة: «إن اجتماع الذكاء الخارق مع القابلية الخارقة للحفظ في شخص واحد من أندر الأمور».

وهناك حفظ «الملا سعيد» كتاب «جمع الجوامع» عن ظهر قلب بقراءته ساعة أو ساعتين في اليوم لمدة أسبوع. مما دفع هذا الأمر «الملا فتح الله» إلى كتابة العبارة الآتية على غلاف الكتاب: «قد جمع في حفظه جمع الجوامع جميعه في جمعة».

وبدأ أستاذه «الملا فتح الله» بالثناء عليه والإعجاب به في جلساته مع العلماء قائلاً: لقد أتى إلى مدرستنا طالب في أوج شبابه، وأجاب عن كل ما سألته عنه دون توقف، فأعجبت بذكائه النادر وعلمه الوافر أيما إعجاب. (50)

ولهذا شاعت أحواله في «سعرد» مما أثار فضول علمائها، فأقبلوا عليه يمتحنونه ويحاولون إحراجه بأسئلتهم وذلك في اجتماع واسع حضره «الملا فتح الله» أيضاً. وكان بديع الزمان كلما يوجَّه إليه سؤال يمعن النظر في وجه أستاذه «الملا فتح الله» ويجيب وكأنه ينظر إلى كتاب ويقرأ، فالعلماء الذين شاهدوا هذا المنظر حكموا بأنه شاب خارق وأثنوا على ذكائه وعلمه ومنزلته.

وما لبث خبر هذا الشاب أن شاع وانتشر بين الأهلين في «سعرد» حتى بدأ الناس يوقرونه كتوقيرهم لولي من الصالحين، مما أثار الحسد عند بعض العلماء وطلاب العلوم الآخرين. ولما كانوا غير قادرين على منازلته والتغلب عليه في ساحة المعرفة وميدان العلوم حاول بعض الشباب إيذاءه بالقوة والصراع والعراك. فطرق سمع أهالي «سعرد» هذا الخبر فحالوا دون ذلك وأنقذوه من بين أيديهم، ووضعوه في غرفة حفاظاً عليه، ولكنه لفرط حبه لأهل العلم، اندفع من الغرفة خارجاً وقرر أن يدافع عن معارضيه من طلاب العلوم حتى لو قضوا عليه، وذلك لئلا يكونوا هدفاً للجهلاء. فتوجّه إلى أحد الطلاب قائلاً: «اقتلوني... ولكن حافظوا على شرف العلم ومكانته».


Yükleniyor...