إنقاذ إيمان المجتمع. لم أذق طوال عمري البالغ نيفاً وثمانين سنة شيئاً من لذائذ الدنيا. قضيت حياتي في ميادين الحرب، وزنزانات الأسر، أو سجون الوطن ومحاكم البلاد. لم يبق صنف من الآلام والمصاعب لم أتجرعه. عوملت معاملة المجرمين في المحاكم العسكرية العرفية، ونفيت وغربت في أرجاء البلاد كالمشردين. وحرمت من مخالطة الناس شهوراً في زنزانات البلاد. وسُمّمت مراراً. وتعرضت لإهانات متنوعة. ومرت عليّ أوقات رجحت الموت على الحياة ألف ضعف. ولولا أن ديني يمنعني من قتل نفسي، فربما كان سعيد تراباً تحت التراب.

أنا لا أطيق ذلاً ولا إهانة بفطرتي وجبلتي. العزة والشهامة الإسلامية تمنعني بشدة من هذه الأحوال. فإذا تعرضت إلى مثل هذا الحال، لا أطأطئ رأسي مهما كان الذي يواجهني، سواءٌ إن كان جباراً أشد الناس ظلماً أو قائداً عدواً سفاحاً للدماء، بل ألقي بظلمه ودمويته على وجهه.، ولا أبالي إن رماني في غياهب السجن أو قادني إلى منصة الإعدام. وهذا ما وقع، وما جرى علي فعلاً. ولو صبر قلب ذلك القائد الدموي ووجدانه على الظلم دقائق أخرى لكان سعيد قد شنق والتحق بزمرة الأبرياء المظلومين.

هكذا انقضت حياتي كلها في نصب ومشقة، ونكبة ومصيبة. لقد افتديت نفسي ودنياي في سبيل إيمان المجتمع وسعادته وسلامته. فهنيئاً وحلالاً طيباً. حتى في دعواتي لا أدعو الله عليهم. فبهذه الأحوال صارت رسائل النور وسيلة لإنقاذ إيمان مئات الألوف في الأقل، ربما الملايين - هكذا يقولون- فأنا أجهل عددهم، المدعي العام بأفيون ذكر أنهم خمسمائة ألف أو يزيدون. بالموت كنت أنجو وحدي، لكن ببقائي في الحياة وصبري على الصعاب والمشقات خدمت في إنقاذ الإيمان بقدر هذه الأنفس. فالحمد لله ألف مرة.

لقد ضحيت حتى بآخرتي في سبيل تحقيق سلامة إيمان المجتمع، فليس في قلبي رغب في الجنة ولا رهب من جهنم، فليكن سعيد بل ألف سعيد قرباناً ليس في سبيل إيمان المجتمع التركي البالغ عشرين مليونا فقط بل في سبيل إيمان المجتمع الإسلامي البالغ مئات الملايين. ولئن ظل قرآننا دون جماعة تحمل رايته على سطح الأرض فلا أرغب حتى في الجنة إذ ستكون هي أيضاً سجناً لي، وإن رأيت إيمان أمتنا في خير وسلام فإنني أرضى أن أُحرق في لهيب جهنم إذ بينما يحترق جسدي يرفل قلبي في سعادة وسرور.


Yükleniyor...