المفعم بالإيمان سداً منيعاً أمام أشرار العهود الثلاثة، ولم يفتأ يدعو إلى الله، ويدعو إلى الرسول (ص)، ولا إلى شيء إلّا الله والرسول. رأسه شامخ كقمة جبل «آرارات»، لم يطأطئه ظالم، ولم يغلبه عالم. صلب كالصخور، إرادة قوية عجيبة، ذكاء كالبرق. هذا هو سعيد النور. لم تثن المحاكمُ العسكرية والمدنية والانقلابات والثورات ومنصات الإعدام المنصوبة له وأوامر النفي والتغريب، رجلَ المعنويات العظيم عن طريقه. قاوم كل ذلك بقوة وشجاعة لانهاية لهما نابعتان من الإيمان. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﹛﴿وَاَنْتُمُ الْاَعْلَوْنَ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِن۪ينَ﴾|﹜ (آل عمران:١٣٩). فكأن كلام الله هذا تجلى في سعيد النور!.

لقد قرأت مرافعاته في المحاكم. لم تكن دفاعاً عن النفس، بل دفاعاً عن دعوة عظيمة، وشواهد ومعلقات للجلادة والجرأة والذكاء.

لماذا تسنم سقراط موقعاً مرموقاً؟ أليس بسبب استصغاره الحياة من أجل الفكر؟ سعيد النور يعدل سقراط في الأقل! لكن أعداء الإسلام سعوا إلى تعريفه بصفة «رجعي» و«متعالم». ففي نظرهم ينبغي للرجل السامق أن يكون أجنبياً! لقد اقتيد من محكمة إلى محكمة، لكنه كان يحكم وهو محكوم. وانتقل من سجن إلى سجن، لكن السجون صارت «مدارس يوسفية» بهمته. سعيد النور جعل السجون نوراً، والقلوب نوراً. وذاب عتاة القتلة وأعداء الاستقرار والأخلاقِ القساةُ أمام صرح الإيمان هذا، كأنهم خلق جديد، مؤمنون سلَمٌ للناس ومواطنون خيّرون. فهل استطاعت مدارسكم ومناهج تربيتكم ذلك؟ أم تستطيع؟ غرّبوه ونفوه من بلد إلى بلد.. فصار كل بلد نفي إليه وطنًا له، وأحاط به مؤمنون أنقياء وأطهار حيثما حلّ وغُرّب. وعجزت القوانين والممنوعات والشرطة والجندرمة وجدران السجون السميكة عن التفريق بينه وبين إخوته المؤمنين، فتحولت الكثافة المادية المتراكمة بين المرشد الكبير وطلابه إلى لطائف بفضل الدين والعشق والإيمان. وخلفت تهديداتُ وتحديدات القوة العمياء والمادة الميتة أمواجاً متلاطمة في بحار عالم الروح، وماجت من حجرات القرى لتحيط بأطراف الأرض وتدق أبواب الجامعات.

هرع أبناء الوطن الذين انتهكت مقدساتهم زمناً طويلاً، والأجيال الذين حُكم عليهم بالفناء، والمتلهفون للإيمان إلى سبيله وإلى نوره. طافت رسائل النور للأستاذ من يد إلى يد،

Yükleniyor...