والملفت للنظر أن هذا المسلك لم ينحصر في شخصه، بل انتقل إلى طلابه وأصبح مُناهم وغايتهم المقدسة في الحياة. ولا يمتلك الإنسان نفسه من الشغف بطالب النور المغتسل في بحر النور والمرتشف من نبعه الصافي.

وانظروا كيف يوضح الأستاذ النورسي في المكتوب الثاني من كتابه «المكتوبات» هذه النقطة في ستة أوجه بشعور إيماني وحس علمي.

« الأول: إن أهل الضلال يتهمون العلماء باتخاذهم العلم مغنماً، فيهاجمونهم ظلماً وعدواناً بقولهم: «إنهم يجعلون العلم والدين وسيلة لكسب معيشتهم» فيجب تكذيب هؤلاء تكذيباً فعلياً.

الثاني: نحن مكلّفون باتباع الأنبياء -عليهم السلام- في نشر الحق وتبليغه، وإن القرآن الكريم يذكُر الذين نشروا الحق بأنهم أظهروا الاستغناء عن الناس بقولهم: ﹛﴿اِنْ اَجْرِيَ اِلَّا عَلَى اللّٰهِ﴾ ﴿اِنْ اَجْرِيَ اِلَّا عَلَى اللّٰهِ﴾|﹜ (هود:٢٩). وإن الآية الكريمة: ﹛﴿اِتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسَْٔلُكُمْ اَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾|﹜ (يس:٢١)، تفيد معاني جمّة، ومغزى عميقاً، فيما يخص مسألتنا هذه..».

وما التوفيق الإلهي في انتصارات رسائل النور إلّا ثمرة رجولة الثبات على منهج الرسل عليهم السلام واتخاذهم أسوة. ومن هذا المنطلق استطاع الأستاذ النورسي المحافظة على عزته العلمية التي لا تستبدل بملء الدنيا ذهباً.

وكيف لا يكون فاتحاً للقلوب من لا تعرف قيود الراتب والرتبة وأغلال المقام والثروة وسلاسل المنافع المادية التي يلهث وراءها الناس إلى قلبه سبيلا، وكيف لا تمتلئ القلوب المؤمنة بنوره وفيضه.

الاقتصاد في المعيشة

الاقتصاد إن هو إلا إيضاح وتفسير لمعنى الاستغناء السالف ذكره، وللولوج إلى ديوانه ينبغي الدخول من باب الاستغناء، لذا إن عدّ أحدهما لازماً يعد الثاني ملزوماً له.

ومجاهد أغرّ مثل الأستاذ النورسي المتخذ الأنبياءَ عليهم السلام قدوة ورائداً في التجرد

Yükleniyor...