أيْ إنَّ في خلق كل منها من خوارق النظام وإبداع الصنعة وإعجاز الحكمة ما لو اتحدت أسباب الكون كلُّها، وأصبحت فاعلة مختارة، لعجزت عن تقليدها.

نَفْس مِي خَواهَدْ دَرْ إِينْ وَلْوَلَهَا، زَلْزَلَهَا ذَوْقِ بَاقِى دَرْ فَنَاىِ دُنْيَا بَازِى


أمَّا النفس؛ فكلما شاهدت هذا الوضع للأشجار، رأتْ كأنَّ الوجودَ يتدحرج في دوّامات الزوال والفراق. فتحرّت عن ذوقٍ باقٍ، فتلقت هذا المعنى: «إنَّكِ ستجدين البقاء بترك عبادة الدنيا».

عَقْل مِى بينَدْ أزِينْ زَمْزَمَهَا.. دَمْدَمَهَا نَظْمِ خِلْقَتْ، نَقْشِ حِكْمَتْ، كَنْزِ رَازِى


أمَّا العقل فقد وجد انتظام الخلقة، ونقش الحكمة وخزائن أسرار عظيمة في هذه الأصوات اللطيفة المنبعثة من الأشجار والحيوانات معاً، ومن أنداء الشجيرات والنسائم. وسيفهم أنَّ كلَّ شيء يسبّح للصانع الجليل بجهات شتى.

آرْزُو مِيدَارَدْ هَوَا أزِينْ هَمْهَمَهَا.. هُوهُوَهَا مَرْ خُودْ دَرْ تَرْ أذْوَاقِ مَجَازِى


أمَّا هوى النفس، فإنَّه يلتذ ويستمتع من حفيف الأشجار وهبوب النسيم ذوقاً لطيفاً ينسيه الأذواق المجازية كلها، حتى إنَّه يريد أنْ يموت ويفنى في ذلك الذوق الحقيقي، واللذة الحقيقية بتركه الأذواق المجازية، التي هي جوهر حياته.

خَيَالْ بِينَدْ أزِينْ أشْجَارْ مَلا رَا جَسَدْ آمَدْ سَمَاوِى، بَاهَزَارَانْ نَىْ


أمَّا الخيال فإنّه يرى كأنَّ الملائكة الموكلين بهذه الأشجار قد دخلوا جذوعها ولبسوا أغصانها المالكة لقصيبات الناي بأنواع كثيرة. وكأنَّ السلطان السرمدي قد ألبسهم هذه الأجساد في استعراض مهيب مع آلاف أنغام الناي، كي تُظهِر تلك الأشجار أوضاع الشكر والإمتنان له بشعور تام، لا أجساداً ميتة فاقدة للشعور.

أزِينْ نَيْهَا شُنِيدَتْ هُوشْ سِتَايِشْهَاىِ ذَاتِ حَىْ


فتلك النايات مؤثرة الأنغام صافيتها، إذ تخرج أصواتاً لطيفة كأنَّها منبعثة من موسيقى سماوية علوية، فلا يسمع الفكر منها شكاوى آلام الفراق والزوال، كما يسمعها كل العشاق


Yükleniyor...