قلت: «حروب الدول والأمم قد تخلت عن مواضعها لحروب الطبقات البشرية. والإنسان مثلما يرفض أن يكون أسيراً لا يرضى أن يكون أجيراً أيضاً. فلو كنا منتصرين غالبين، لكنا ننجذب إلى ما لدى أعدائنا من الاستعمار والتسلط، وربما كنا نغلو في ذلك. علماً أن ذلك التيار -التيار الاستعماري الاستبدادي- تيار ظالم ومنافٍ لطبيعة العالم الإسلامي، ومباين لمصالح الأكثرية المطلقة من أهل الإيمان، فضلاً عن أن عمره قصير، ومعرّض للتمزق والتلاشي. ولو كنا متمسكين بذلك التيار لكنا نسوق العالم الإسلامي إلى ما ينافي طبيعته الفطرية. فهذه المدنية الخبيثة التي لم نرَ منها غير الضرر، وهي المرفوضة في نظر الشريعة، وقد طغت سيئاتُها على حسناتها، تحكم عليها مصلحةُ الإنسان بالنسخ، وتقضي عليها يقظةُ الإنسان وصحوته بالانقراض.

فلو كنا منتصرين لكنا نتعهد حماية هذه المدنية السفيهة المتمردة الغدارة المتوحشة معنىً في أرجاء آسيا».

قال أحدهم من المجلس: «لِمَ ترفض الشريعةُ هذه المدنية؟» (251)

قلت: «لأنها تأسست على خمسة أسس سلبية؛ فنقطة استنادها هي القوة، وهذه شأنها الاعتداء، وهدفها وقصدها المنفعة، وهذه شأنها التزاحم، ودستورها في الحياة الجدال والصراع، وهذا شأنه التنازع، والرابطة التي تربط المجموعات البشرية هي العنصرية والقومية السلبية التي تنمو على حساب الآخرين. وهذه شأنها التصادم، كما نراه، وخدمتها للبشرية خدمة فاتنة جذابة هي تشجيع هوى المنفعة، وإثارة النفس الأمارة، وتطمين رغباتها وتسهيل مطاليبها. وهذا الهوى شأنه إسقاط الإنسان من درجة الملائكية إلى درك الحيوانية الكلبية. وبهذا يكون سبباً لمسخ الإنسان معنوياً.

فمعظم هؤلاء المدنيين لو انقلب باطنهم بظاهرهم لوجد الخيال تجاههم صور الذئاب والدببة والحيات والقردة والخنازير.


Yükleniyor...