دخلتُ عالم المثال في ليلة من ليالي الجمعة. جاءني أحدهم وقال: يدعوك مجلس موقر مهيب منعقد لبحث مصير العالم الإسلامي، وما آلت إليه حاله.

فذهبت، ورأيت مجلساً منوراً قد حضره السلف الصالحون، وممثلون من العصور، من كل عصر ممثل.. لم أر مثيلهم في الدنيا.. فتهيبت، ووقفت في الباب تأدباً وإجلالاً.

قال أحدهم موجهاً كلامه لي: «يا رجل القدر!.. ويا رجل عصر النكبة والفتنة والهلاك!.. بيّن رأيك في هذا الموضوع. فإن لك فيه رأياً».

قلت وأنا واقف: «سلوني أُجبْ!»

قال أحدهم: «ماذا ترى في عاقبة هذه الهزيمة -التي آلت إليها الدولة العثمانية- وماذا كنتَ تتوقع أن يؤول إليه أمر الدولة العثمانية لو قُدِّر لها الانتصار؟».

قلت: «إن المصيبة ليست شراً محضاً، فقد تنشأ السعادة من النكبة والبلاء، مثلما قد تفضي السعادة إلى بلاء.. فهذه الدولة الإسلامية التي أخذت على عاتقها -سابقاً- القيام بفريضة الجهاد -فرضاً كفائياً- حفاظاً على العالم الإسلامي وهو كالجسد الواحد، ووضعت نفسها موضع التضحية والفداء لأجله، وحملت راية الخلافة إعلاء لكلمة الله وذوداً عن استقلال العالم الإسلامي.. ستعوّض عما أصابها من مصيبة، وستزيلها السعادةُ التي سوف يرفل بها عالم الإسلام، إذ عجّلت هذه المصيبة بعث الأخوّة الإسلامية ونماءها في أرجاء العالم الإسلامي، تلك الأخوة التي هي جوهر حياتنا وروحنا، حتى إننا عندما كنا نتألم كان العالم الإسلامي يبكي، فلو أوغلت أوروبا في إيلامنا لصرخ العالم الإسلامي.

فلو متنا فسوف نموت عشرون مليوناً (من العثمانيين الأتراك) ولكن نُبعث ثلاثمائة (أي ثلاثمائة مليون من المسلمين).

نحن نعيش في عصر الخوارق. فبعد مضي سنتين أو ثلاث على موتنا سنُرى أحياءً يبعثون. لقد فقدنا بهذه الهزيمة سعادة عاجلة زائلة، ولكن تنتظرنا سعادة آجلة دائمة، فالذي يستبدل مستقبلاً زاهراً فسيحاً بحال حاضرٍ جزئي متغير محدود، لا شك أنه رابح..

وإذا بصوت من المجلس: «بيِّنْ! وضّح ما تقول!»

Yükleniyor...