والسبب الثاني هو أن أعضاء دار الحكمة غير قادرين على الامتزاج فيما بينهم، بل حتى على الاختلاط، فلكل منهم مزايا خاصة به، ولم تتولد بينهم روح الجماعة، إذ «أنا» كلٍّ منهم قوي إلى حد لا ينخرق ولا يتمزق كي يتحول إلى «نحن» لذا اضطلعوا في مساعيهم بدستور المشاركة فيما أهملوا دستور التعاون. فالمشاركة في الماديات تعظم النتائج وتجعلها فوق المعتاد، بينما تصغرها بل تجعلها بسيطة وقبيحة في المعنويات. أما دستور التعاون فهو خلاف هذا تماماً إذ يكون في الماديات وسيلة لنتائج جليلة بالنسبة للشخص، ولنتائج صغيرة جداً بالنسبة للجماعة. بينما في المعنويات تصعد النتائج إلى حيث الأمور الخارقة.

ثم إن انتقاداتهم صارت شديدة عنيفة جداً، لا يقاومها فكر، بل يتشتت أمامها ويضمحل. لأنه أحياناً يضيع الحق لدى التنقيب عن «الأحق» فإن كان الاتفاق في الحق اختلافاً في الأحق يكون الحق أحق من الأحق. ففي أثناء تحرى الأحق هناك تسامح لوجود الباطل. أي يكون الحَسن أحياناً أحسن من الأحسن. (246)

«وقد كانت تيارات بعيدة عن روح الإسلام تحاول التدخل في أمور دار الحكمة الإسلامية ولا سيما الأجنبية منها، فكان بديع الزمان يقف أمام هذه التيارات صلباً كالجبال متصدياً للفتاوى الخاطئة بلا تردد، إذ كان الموت نصب عينيه دائما». (247)

[نورد منها جوابه الآتي للفتاوى الصادرة من المشيخة الإسلامية ضد حركة التحرير في الأناضول:]

«إنها ليست فتوى خالصة، بل فتوى تتضمن القضاء. لأن الذي يميز الفتوى عن القضاء كون موضوعها عاماً وغير معيَّن، فضلاً عن أنها غير ملزمة، بينما القضاء معيَّن مُلزم. فكل من يطّلع على الفتوى -المذكورة- يجدها معيَّنة، يفهم المراد منها بالضرورة، وأصبحت ملزمة حيث إن سوق عوام المسلمين ضد الحركة سبب واضح فيها. فمادامت هذه الفتوى تتضمن القضاء، والاستماع إلى كلا الخصمين ضرورة في القضاء، فكان ينبغي أن تُستجوَب حركة التحرير في الأناضول لتبدي ما لديها من مدّعيات ودعاوى، وبعد الاستماع إليها من


Yükleniyor...