وقد شوهد منه هذا التوق إلى الحرية في صفحات حياته كلها، فلم يرضخ لقوانين الضلالة الرهيبة والزندقة الواردة من أوروبا، ورفض أي انقياد كان للاستبداد الرهيب الناشئ من الفلسفة الطبيعية وسعى لبيان حقيقة الإسلام المتضمنة للحرية الشرعية الحقة والحضارة المثلى.

وكان الطابع العام لحياة بديع الزمان في إسطنبول طابعاً سياسياً إلى حد ما، إذ كان يحمل فكرة خدمة الدين عن طريق السياسة، فدفعه عشقه لخدمة الدين إلى هذا الطريق. فناصر الدعوة إلى الحرية وعارض بشدة جمعية الاتحاد والترقي عندما شاهد من ظلمهم، بل ما كان يتردد أن يصدع في وجوههم قائلاً: لقد اعتديتم على الدين وتعرضتم لغيرة الله وأدرتم ظهوركم للشريعة.. احذروا فإن العاقبة وخيمة!.

وبعد إعلان الدستور ناصر جمعية «الاتحاد المحمدي» التي بدأت تتوسع بسرعة في زمن قصير حتى انضم إليها خمسون ألفاً من الأعضاء في كل من «آدا بازاري» و«إزميت» بعد نشر مقالة بديع الزمان.. وفي هذه الفترة تعاقبت مقالاته في الصحف الدينية (188) وخطبه التي كان يلقيها للحيلولة دون تفسير الحرية تفسيراً خاطئاً وتغيير مجراها الحقيقي. ولإعلام الناس أن الرضى بالمشروطية يكون مشروطاً بالشرع.. فاستفاد الناس والسياسيون والعلماء من تلك المقالات والخطب أيما استفادة.

وكان يبشر الناس دوماً ببزوغ الفجر الصادق لسعادة آسيا الدنيوية، وذلك بانتباه الروح الملية بشرط الامتثال بالأوامر الشرعية، لئلا تفلت تلك اليقظة الملية. وكان يحذّر قائلاً: «إن لم نقبل المشروطية المشروعة، والحرية الشرعية ولم يطبقا على الوجه المطلوب فسوف نضيعهما وستحل إدارة مستبدة محلهما»». (189)

Yükleniyor...