إلقاء درس في الطب إلى طبيب، ولكن واجب المريض أن يعينه في تشخيص العلة. فأرى من الضروري الاستماع إليّ كيلا يكذّبكم المستقبل. فخذوا هذه النقاط الأربع بنظر الاعتبار:


أولاها: أني ترعرعت في جبال كردستان، فعليكم أن تزنوا أحوالي التي لا تروق لكم بميزان كردستان لا بميزان إسطنبول الحضاري الأنيق، فلو وزنتم بميزانها فقد وضعتم إذن سداً مانعاً أمامنا نحو إسطنبول التي هي منبع سعادتنا، ويلزمكم سوق معظم الأكراد إلى المستشفى، ذلك لأن الأخلاق المفضلة -في الأناضول- هي الجسارة، وعزة النفس، والثبات في الدين، وانطباق اللسان على ما في القلب. بينما الظرافة والرقة وما شابهها من أمور المدنية تعدّ بالنسبة لهم مداهنة وتزلفاً.

ثانيتها: أن أحوالي وأخلاقي مخالفة للناس، كما هو الحال في ملابسي. فاتخِذوا الأمر الواقع والحق محل النظر وموضع الاعتبار، ولا تتخذوا ما روّجه الزمان أو العادات من أخلاق سيئة بتقليد الناس بعضهم بعضاً مقياساً لوزن الأمور. إنني مسلم، ملتزم، ومكلّف بهذا الالتزام والوفاء به من حيث الإسلام. فعليّ أن أفكر فيما ينفع الأمة والدين والدولة ولا أقول ذلك القول الفاسد المميت: «مالي ولهذا.. فليفكر فيه غيري».

ثالثتها: لقد أتى ومضى أشخاص نوادر، كل سبق زمانه، ولكن الناس حملوا أطوارهم على الجنون بادئ بدء، ثم على السحر والخوارق. إن التضاد الموجود بين هاتين النقطتين إيماء وإشارة إلى التضاد الموجود بين مدَّعَيات الذين حكموا عليّ بالجنون وأدلتهم. إذ قالوا بأفعالهم: إنه مجنون، لأنه يجيب على كل مسألة، ويحلّ كل معضلة! إن الذي يورد مثل هذا الدليل مجنون بلا شك!

رابعتها: أنه من الضروري أن يحتد ويغضب كل من له مزاج عصبي مثلي، لأن الذي يحمل فكراً رفيعاً -أي الحرية الشرعية- منذ خمس عشرة سنة، وأوشك أن يراه فعلاً، إذا به يرى نفسه على خطر وهلاك من حرمان رؤيته -بانقلاب عظيم- كيف لا يحتد ولا يغضب؟

ثم إن وزير الأمن أشد منى حدّة وغضباً فهو أكثر مني جنوناً إذن. علماً أنه لا يَسلَم إلّا واحد من ألف من الناس من هذا الجنون الموقت؛

فكل الناس مجنون ولكن على قدر الهوى اختلف الجنون


Yükleniyor...