لم يتحمل الباشا هذا الكلام فاندفع خارج الخيمة، وتجول قليلاً ثم عاد إليها وكرر السؤال نفسه.

فأجابه الملا سعيد: «لقد قلت لك... جئت من أجل ما ذكرت!»

أشار الباشا إلى السيف المعلق بعماد الخيمة وقال بسخرية:

- أبهذا السيف الصدئ تقتلني!؟

- اليد هي التي تقطع لا السيف!

مرة أخرى ترك الباشا الخيمة وهو يفور غضباً، ثم دخلها مخاطباً الملا سعيد: «إن لي جمعاً غفيراً من العلماء في منطقة الجزيرة (جزيرة ابن عمر) وسأعقد مناظرة علمية فيما بينكم، فإن أقمت الحجة عليهم وألزمتهم، أنفّذ طلبك وإلّا فسألقيك في النهر».

قال الملا سعيد: «كما أنه ليس من شأني إلزام جميع العلماء، فليس باستطاعتك أن تلقيني في النهر. ولكن إن تفوقت عليهم أطلب منك بندقية «ماوزر» لأقتلك بها إن لم تحافظ على وعدك».

عقب هذه المشادة العنيفة ذهبا معاً على الخيول إلى الجزيرة، ولم يتكلم الباشا مع ملا سعيد طول الطريق. ولما وصلا إلى أحراش «باني خاني» أخلد الملا سعيد إلى النوم بعد أن أصابه الإرهاق. ولما أفاق وجد علماء الجزيرة ومعهم كتبهم ينتظرون ساعة المناظرة.

انعقد المجلس... وبعد تبادل السلام دارت أقداح الشاي على الحاضرين ولكن العلماء كانوا في شغل شاغل عن الشاي، إذ كانوا يقلبون صفحات الكتب، مأخوذين بشهرة الملا سعيد ومنتظرين أسئلته، بينما لم يحفل الملا سعيد بالأمر، ولم يكتف بشرب شايه، بل بدأ بارتشاف الشاي الموضوع أمام اثنين أو أكثر ممن حوله من العلماء المشغولين بالنظر في الكتب.

وعندها خاطب مصطفى باشا العلماء وهو يراقب مجرى الأمور: «على الرغم من أنني لست متعلماً فإنني أرى أنكم ستُغلَبون أمام الملا سعيد في مناظرتكم، لأني لاحظت أن انكبابكم على الكتب ألهاكم عن شرب الشاي، بينما شرب الملا سعيد شايه ثم عدداً من أقداح غيره».

Yükleniyor...