قالت: إن الحيات في السماء شفافة كالزجاج تشف عما في بطنها.

كنت أتذكر هذه الحادثة كثيراً وأسائل نفسي: كيف تدور خرافة بعيدة عن الحقيقة إلى هذه الدرجة على لسان والدتي الحصيفة الجادة في كلامها؟.

ولكن حينما طالعت علم الفلك رأيت أن الذين يقولون كما تقول والدتي، قد تلقوا التشبيه حقيقةً واقعيةً؛ لأن الفلكيين شبهوا القوسين الناشئين من تداخل دائرة الشمس، وهي منطقة البروج ومدار درجاتها، مع دائرة القمر وهي ميل القمر ومدار منازله، شبهوهما تشبيهاً لطيفاً بحيتين ضخمتين، وسموهما تنينين، وأطلقوا على إحدى نقطتي تقاطع تلك الدائرتين «الرأس» والأخرى «الذنب». فحينما يبلغ القمر الرأس والشمس الذنب تحصل حيلولة الأرض -كما يصطلح عليها الفلكيون- أي تقع الأرض بينهما تماماً، وعندها يخسف القمر. أي كأن القمر يدخل في فم التنين، حسب التشبيه السابق.

وهكذا عندما سرى هذا التشبيه العلمي الراقي بمرور الزمن إلى كلام العوام غدا التشبيه تنيناً عظيماً مجسماً يبتلع القمر!. (19)

وفي حوالي التاسعة من عمري وجميع الأهلين وأقاربي ينتسبون إلى الطريقة النقشبندية ويستمدون من شيخ مشهور هناك هو «الغوث الخيزاني» (20) كنت على خلافهم أقول: أيها الشيخ الكيلاني أقرأ لك سورة الفاتحة جد لي ما ضيعتُه من جوز مثلاً أو أي شيء تافه آخر. وإنه لأمر عجيب فوالله لقد أمدني الشيخ بدعائه وهمته ألف مرة. ولهذا ما قرأت من أوراد وأذكار طوال حياتي إلّا وأهديتها أولاً إلى حضرة الرسول الأعظم (ص) ثم إلى الشيخ الكيلاني، وعلى الرغم من أنني منتسب إلى الطريقة النقشبندية بثلاث جهات (21) فإن محبة الطريقة القادرية ومشربَها يجري فيّ حكمه دون اختيار مني، إلّا أن الانشغال بالعلم كان يعيق الاشتغال بالطريقة الصوفية. (22)

ومع ذلك كنت أحمل حالة روحية تتسم بالفخر والاعتزاز، يوم كنت في العاشرة من

Yükleniyor...