فإذا نظرنا إلى التاريخ الحديث فنادراً ما نرى أشخاصاً محظوظين كبديع الزمان تقتدي به جموع غفيرة وهو يتقدمهم في زمن المستحيلات. وهنا أحب أن أوضح هذه الحقيقة أيضاً فأقول:

إن الحقائق الإيمانية التي تطرحها رسائل النور من ضرب الأمثال والأدلة الثابتة تؤثر على الإنسان بدرجة الكرامات، فأنا شخصياً كنت أبحث منذ سنوات طويلة عن جواب على بعض الأسئلة التي كانت تدور في ذهني فما استطعت أن أجدها في أي مكان، وأخيراً وجدتها في رسائل النور بشكل واضح لا غبار عليه ولا ضباب. وإذا نظرنا الآن إلى تاريخ حياة بديع الزمان نرى أن حياته وأسلوب عيشه هي بحد ذاتها كرامة. فقد ترك أهله وبيته وكل ما يمت بصلة إلى نفسه ومنفعته الشخصية، وكانت المشنقة أمام عينيه دائماً فأمضى شطراً طويلاً من حياته المديدة في السجون والمَنافي لأجل قول الحق وتفهيم الحقائق الإيمانية للناس. أما أنا فإن السبب الأساس الذي دفعني إلى جانب بديع الزمان وقراءة رسائل النور هو أنني كنت أقول: «لماذا يتجول هؤلاء السكيرون والمخمورون ولاعبو القمار بكل راحة واطمئنان وحرية بينما يظل خدام الإيمان والقرآن كبديع الزمان في السجون ويقضي حياته كلها هناك؟ فإذن يتحتم عليّ أن أضع يدي بيده لأساعده بكل ما أستطيع مساعدته ومساندته».

ففي عام ١٩٥٤-١٩٥٥ كنت أقوم بنشر رسائل النور بل حتى تلك التي أعجز عن قراءتها (109) فالذين كنت أعطيهم من هذه الرسائل يقولون لي: «عمّ تبحث هذه الكتب؟» فأقول لهم: «أنتم معلمون وعلماء فيمكنكم قراءتها والوقوف عليها، أما أنا فلا أستطيع القراءة. ولكني سأحاول التعلم، فبديع الزمان خادم الإسلام في السجن الآن ونحن نقوم بمؤازرته. فاقرؤوا أنتم واشرحوها لنا». وقد كانوا بدورهم يشرحون لي ما كتبه الأستاذ، وأنا يغمرني الفرح والسرور. (110)


Yükleniyor...