توقيع هذا الطلب. ومدوا إليّ بورقة طلب باسمي، قلت بعد قراءتها: ولكني لم أطلب هذا... أرجوكم دعوه ليرتاح في الأقل في قبره! أصروا على موقفهم وقالوا: «لامناص من الأمر».

توجهنا -بعد توقيع الطلب- إلى المطار فأقلتنا طائرة عسكرية إلى أورفة، وفي الثالثة ليلاً ذهبنا إلى المقبرة... كان هناك تابوتان في صحن الجامع مع بعض الجنود. اقترب الطبيب العسكري مني قائلاً: «لا تقلق سننقل الأستاذ إلى الأناضول».

وعلى إثر هذا الكلام أجهشت بالبكاء فلم أتمالك نفسي. أمر الطبيب الجنود بهدم القبر. فكانوا يترددون ويخشون سخط الله عليهم.

فقال الطبيب: نحن مأمورون وليس أمامنا سوى التنفيذ، فقاموا بهدم القبر وإخراج التابوت منه. وعندما فتحوا التابوت. قلت في نفسي: لا بد أن عظام أخي الحبيب قد أصبحت رماداً. ولكن ما إن لمست الكفن حتى خيل لي أنه قد توفي أمس. كان الكفن سليماً إلا أنه مصفر قليلاً من جهة الرأس. وكانت هناك بقعة واحدة على شكل قطرة ماء. وعندما كشف الطبيب عن وجهه، نظرت إليه وإذا عليه شبه ابتسامة. احتضنا ذلك الأستاذ العظيم ووضعناه في التابوت الآخر. وأخذناه إلى المطار. كانت الشوارع خالية من الأهلين ومليئة بالجنود المدججين بالسلاح، حيث أعلن منع التجول في المدينة. جلست بجانب التابوت في الطائرة والحزن والأسى يملآن قلبي، والدموع تملأ عينيّ. اتجهت الطائرة إلى أفيون، ومنها نقل التابوت بسيارة إسعاف إلى إسبارطة حيث دفن في مكان لا يزال مجهولاً». (355) رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

وصية

لقد كان منذ القدم دأب أستاذنا ألّا يتذلل أمام أعظم الرؤساء، حفاظاً على عزة العلم، بل ما كان يقبل هدايا أحد من الناس دون مقابل. والآن وقد أصبح يرفض الهدايا -التي لا ضير من قبولها لدى أهل العلم- بحجة المرض الذي ضعفه أشدّ الضعف، بل يرفض حتى ما نقدّمه له نحن الذين نقوم بخدمته ولو كان شيئا صغيراً، فنراه يتمرض إن تناوله. فاقتنعنا أنه أُخطر إلى قلبه مَنعه من إخلال قاعدته التي اتخذها طوال حياته، وهي ألّا تكون رسائل النور

Yükleniyor...