عمر طويل، قرن واحد تقريباً، قضاه في الجهاد لترسيخ حقائق الإيمان والقرآن في القلوب. عمر قضاه في الفضيلة والشهامة. فهو في ميادين الحرب بطل يتقدم المجاهدين، يستل السيف، ثابت الأقدام، يحمل على الأعداء. وهو في الأسر بطل يتصدى لقائد الأعداء. وهو على منصة الإعدام ظل يسوق قائد الأعداء إلى التفكير ويقوده إلى الإنصاف.

فدائيّ لا يتردد لحظة بالتضحية بروحه من أجل شعبه وبلاده، عدو شديد للفتنة والهدم، يتحمل كل ظلم وتعذيب من أجل منافع الأمة، في سبيل الغاية، أسهل شيء عليه أن يقتات بشربة حساء وقدح ماء ولقمة خبز، ويلبس خرقة خامة بيضاء قطنية يغير ملابسه قبل أن تتسخ ويغسلها، ويعتني بالنظافة اعتناء فائقاً. لا يمسك بالنقود الورقية بيده ولا يحملها. لا يملك شيئاً قيماً في هذه الدنيا. يعيش للناس لا لنفسه.

ضعيف البنية، لكنه ذو مهابة وحشمة. عيناه تشعان نوراً مثل الشمس، ونظراته نظرات سلطان، أغنى سلطان في عالم المعنى مع أنه أفقر الناس في الدنيا مالاً.

لم تخلف آلام نيف وثمانين سنة تجعدات في وجهه وإن أشعلت في رأسه الشيب. لون بشرته بياض مشرب بحمرة. غير ملتح. نشط كأنه في عمر الشباب. حليم وهادئ، لكنه حين يهيج، يبدو كالأسد، وينتصب على ركبتيه، ويتكلم مثل سلطان.

أكره شيء إلى نفسه السياسة. فلم يمسك في يده صحيفة منذ خمس وثلاثين سنة. مقطوع الصلة بشؤون الدنيا. لا يلتقي إنساناً بعد صلاة العشاء إلى وقت الظهر من غده منشغلاً بالعبادة. ينام قليلاً. وقد منع طلابه أيضاً عن السياسة. طلابه الذين بلغ عددهم ستمائة ألف أو مليون هم أكثر أبناء الوطن تمسكاً بالفضائل. والمئات أو الألوف من طلابه يدرسون العلوم الصرفة في كليات الجامعات، فتراهم أشد الطلاب همة وأعظمهم فضيلة. ولم يقع أن تسبب إنسان من طلاب النور الذين بلغوا مئات الألوف عدداً وانتشروا في أرجاء الوطن كافة، في حادث مخل بالأمن. إن كل طالب لرسائل النور محافظ طبيعي لنظام وانتظام البلاد وحارس للأمن والأمان.

سألته إن كان تعباً من سفر إسطنبول، فقال: إنه لا يقلقني سوى المخاطر المحدقة بالإسلام. إذ كانت المخاطر سابقاً تأتي من الخارج وكانت مقاومتها يسيرة، أما الآن فإنها تأتي


Yükleniyor...