كنت مستعداً لا للتضحية بالمراتب الدنيوية الفانية وحدها بل -إن لزم الأمر- بالتضحية حتى بالمراتب الأخروية الباقية لحياتي في الآخرة، مع أن الجميع يسعون للحصول على هذه المراتب، ويعلم أصدقائي المقربون بأنني -إن لزم الأمر- أقبل ترك الجنة والدخول إلى جهنم من أجل أن أكون وسيلة لإنقاذ بعض المساكين من أهل الإيمان (310) وقد ذكرت هذا وبرهنت عليه في المحاكم من بعض الوجوه، ولكنهم يرومون بهذا الاتهام إسناد عدم الإخلاص لخدمتي الإيمانية والنورية، ويرومون كذلك التقليل من قيمة رسائل النور وحرمان الأمة من حقائقها.

أيتوهم هؤلاء التعساء أن الدنيا باقية وأبدية؟ أم يتوهمون أن الجميع مثلهم يستغلون الدين والإيمان في مصالح دنيوية؟ إن هذا التوهم يقودهم إلى الهجوم على شخص تحدى أهل الضلالة في الدنيا وضحى في سبيل خدمة الإيمان بحياته الدنيوية، وهو مستعد للتضحية بحياته الأخروية إن لزم الأمر في سبيل هذه الخدمة. وأنه غير مستعد لأن يستبدل ملك الدنيا كلها بحقيقة إيمانية واحدة، كما صرح في المحاكم، ويقودهم إلى الهجوم على شخص هرب بكل قوته من السياسة ومن جميع مراتبها المادية منها وما يشمّ منها معنى السياسة سواءً أكانت من قريب أو بعيد وذلك بسر الإخلاص، وتحمّل عذاباً لا مثيل له طوال عشرين عاماً، ومع ذلك لم يتنزل -حسب المسلك الإيماني- إلى السياسة. ثم إنه يعد شخصه من جهة النفس- أقل مرتبة من كثير من طلابه، لذا فهو ينتظر دوماً دعاءهم واستغفارهم له، ومع أنه يعد نفسه ضعيفاً وغير ذي أهمية، إلا أن بعض إخوانه الخلص أسندوا إليه في رسائلهم الخاصة بعضاً من فضائل النور، وذلك لكونه ترجماناً للفيوضات الإيمانية القوية التي استمدوها من رسائل النور، ولم يخطر ببالهم في ذلك أي معنى سياسي، بل على مجرى العادة، ذلك لأن الإنسان قد يخاطب شخصاً عادياً ويقول له: «أنت ولي نعمتي... أنت سلطاني». أي يعطون له -من زاوية حسن الظن- رتباً عالية لا يستحقها، وهي أكثر ألف مرة من رتبته ومن قيمته. وكما هو معلوم فإن هناك عادة قديمة جارية مقبولة -لم يعترض عليها أحد- فيما بين الطلاب وبين أساتذتهم وهي قيام الطلاب بمدح مبالغ فيه لأساتذتهم قياماً منهم بحق الشكر، ووجود بعض التقاريظ


Yükleniyor...