ثالثاً: إن لكل حكومة معارضين، ولا يسمح القانون بالتعرض لهم ماداموا لم يخلّوا بالنظام. أفيمكن لي ولأمثالي ممن أعرضنا عن الدنيا ونسعى للقبر أن ندع السعي للحياة الباقية على وفق المسلك الذي سلكه أجدادنا الميامين طوال ألف وثلاثمائة وخمسين سنة وبهدي تربية قرآننا العظيم، وفي ضوء دساتير يقدّسها ثلاثمائة وخمسون مليوناً من المؤمنين في كل عصر، ثم ننشغل بحياة دنيوية قصيرة فانية وننقاد لقوانين ودساتير غير أخلاقية للمدنية السفيهة، بل قوانين جائرة وحشية كما هي في البلشفية، وننحاز إليها تحت ضغوط أعدائنا ودسائسهم؟ فليس هناك قانون في العالم كله ولا إنسان يملك ذرة من الإنصاف يُكره الآخرين على قبول هذا بذاك.

إلّا أننا نقول لأولئك المعارضين: إننا لم نتعرض لكم فلا تتعرضوا لنا!

وهكذا بناء على هذه الحقيقة، إننا لسنا مع زعيم أصدر أوامر حسب هواه باسم القانون، لتحويل جامع أياصوفيا إلى دار للأصنام وجعل مقر المشيخة العامة ثانوية للبنات.. لسنا معه فكراً ولا موضوعاً ولا من حيث الدافع ولا من حيث النتيجة، ولا نجد أنفسنا ملزمين بقبول أمر كهذا.

والواقع أنه بالرغم من حياة الأسر والتشرد التي عشتها خلال هذه السنوات العشرين، والتي ذقت فيها ألواناً من العذاب، وتعرضت لأقسى وأشنع أساليب الظلم والاستبداد، ومع أن هناك مئات الألوف من إخواني النوريين الأوفياء، فإننا لم نتدخل في الأمور السياسية ولم تُسجّل حادثة واحدة تدل على تعرضنا للأمن أو إخلالنا بالنظام.

إن ما أتعرض له في أخريات أيامي هذه، من الإهانات المتكررة والمعاملات الظالمة التي أُقابل بها، وحياة الاغتراب والتشرد التي أعيشها والتي لم أر مثلها من قبل جعلني أملّ الحياة.. إنني سئمت الحرية المقيدة، تلك الحرية التي يحدها التحكم ويعقلها الجور والاستبداد. لقد رفعت إليكم طلباً لا لإطلاق سراحي وتخفيف عقابي وإبراء ساحتي، كما هو المألوف، بل لإنزال أشد العقاب بي وأقساه، نعم أشده وأقساه لا أخفه وأهونه، ذلك لأنه لا سبيل للتخلص من مثل هذه المعاملة العجيبة المنكرة سوى أحد أمرين: السجن أو القبر. إن الطريق إلى القبر مسدود أمامي لا أستطيع الحصول عليه لأن الانتحار محظور شرعاً، ثم إن الأجل

Yükleniyor...