عظيم، فأقرنه بكلام المتصوفة وألغازهم التي يطلقونها في حالة من الاستغراق والنزعة الروحية، وأخذت على نفسي عهداً ألّا أبوح به لإنسان وألّا أخوض فيه في مجلس. وحينما قرأت الكلام نفسه في ثنايا العبارات الحماسية الهياجة للأستاذ النورسي، أدركت أن مقاييس التضحية تعظم بعظمة الفطاحل. نعم، «وتصغر في عين العظيم العظائم».

أجل، إن المجاهدين الذين يضحون بكل غال ونفيس ويتحملون المآسي الأليمة ويصبرون عليها، لن يتركهم المولى سبحانه على حالهم. وكيف يتركهم وهو المتعال القدوس الكريم في عليائه، وهو أرحم الراحمين. فتعالى الله الجليل علواً كبيراً أن يحرم رحمته وكرمه وعنايته عبدَه المضحي في سبيله.

وهكذا يعدّ بديع الزمان الأنموذج الأمثل لهذا التجرد الفريد؛ قضى عمره الزاخر متجرداً من كل متاع، محروماً من اللذائذ الدنيوية المشروعة كافةً، فلم يجد الفرصة المتاحة ليتفكر في تكوين حياة عائلية سعيدة يجنح لظلها ويقضي حياة سعيدةً بكنفها. ولكن الله تعالى أحسن إليه إحساناً تعجز الأقلام عن تعريفه ووصف أمدائه.

فأي صاحب أسرة وأي ربِّ بيت أسعدُ اليومَ منه؟ وأي أب يُعدّ أبناؤه بالملايين؟ ويا لهم من أبناء بررة.. وأي معلم وأستاذ تتلمذ وتخرج على يديه هذا العدد الهائل من الطلاب؟.

وستدوم بإذن الله هذه العروة المقدسة ما دامت السماوات والأرض، وتسري كسيل من النور إلى أبد الآباد، فالدعوة الإلهية هذه نبعت من القرآن الكريم وتبلورت في بحر نوره، فمنه تستمد الوجود وبه تحيا.

الرأفة والشفقة

لقد وجد العارف بالله الأستاذ النورسي الحق والحقيقة منذ صغره، أيام لجوئه إلى المغارات للاستماع إلى أنين قلبه وآهاته وإنابة روحه ومناجاتها، حتى ذاق طعم الطاعة ورشف رحيق العبادة واستشم طيب التفكر، واستفاض في التربية الروحية والنفسية فوصل إلى الطمأنينة والسكينة.

Yükleniyor...