ويتأمل مياهها الزرقاء، والسفوح الخضراء للجبال المحيطة بها، ويتذكر مسألة البعث بعد الموت ويوم القيامة والآخرة التي غدت تُصور من قبل الدوائر الملحدة وكأنها خرافة وأسطورة لا سند لها من دليل عقلي أو علمي، فبدأ يردد في جيشان روحي كبير قوله تعالى: ﹛﴿فَانْظُرْ اِلٰٓى اٰثَارِ رَحْمَتِ اللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ الْاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا اِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتٰى وَهُوَ عَلٰى كُلِّ شَيْءٍ قَد۪يرٌ﴾|﹜ (الروم:٥٠) زهاء أربعين مرة هو يذرع الساحل جيئة وذهاباً في نشوة روحية عميقة ملأت نفسه بمعاني هذه الآية الكريمة وفاضت بها فأخذ يُملي على أحد طلابه هذه المعاني فكانت رسالة «الحشر» وهي الرسالة الأولى من رسائل النور. (123)

«إن كل حقيقة من الحقائق -الاثنتي عشرة لهذه الرسالة- تثبت أموراً ثلاثة في آن واحد: وجود واجب الوجود، وأسمائه وصفاته، ثم تبني الحشر على تلك الأمور وتثبته. فيستطيع كل شخص من أعتى المنكرين إلى أخلص المؤمنين أن يأخذ حظه من كل حقيقة، لأنها تلفت الأنظار إلى الموجودات والآثار، وتقول: «في هذه الموجودات أفعال منتظمة، والفعل المنتظم لا يكون بلا فاعل، لذا فلها فاعل. ولما كان الفاعل يفعل فعله بالانتظام والنظام يلزم أن يكون حكيماً عادلاً، وحيث إنه حكيم، فلا يفعل عبثاً، وحيث إنه يفعل بالعدالة فلا يضيّع الحقوق، فلا بد إذن من محشر أكبر ومحكمة كبرى».

وعلى هذا المنوال تسير الحقائق، وتلبس هذا الطراز من التسلسل، وتثبت الدعاوى الثلاث دفعة واحدة. ولأنها مجملة فالنظر السطحي يعجز عن التمييز. علماً أن كل حقيقة منها قد فصلت بإيضاح تام في رسائل أُخر وفي «الكلمات»». (124)

«ولقد دفعت هذه الرسالة بلاءً كبيراً، فبسبب من فوضى الأفكار التي سادت وبسبب من الهزات التي سببتها الحرب العالمية فقد وجد المنافقون الذين ينكرون الحشر الفرصة سانحة لهم، وبدؤوا بإظهار أفكارهم المسمومة في كثير من الأماكن، وعندها ظهرت «الكلمة العاشرة» (رسالة الحشر) وطُبع منها ألف نسخة ووزعت في مختلف الأنحاء، وكل من أطلع عليها قرأها بلهفة، فقصمت بإذن الله أفكار الزندقة الكفرية، وأخرستهم (125) [ومع هذا] فإن هذه الكلمة


Yükleniyor...