إني بقيت وحيداً غريباً عن جميع أقراني وأحبابي وأقاربي، بما أخذت الشيخوخة مني مأخذاً، فشعرت بغربة حزينة من جراء تركهم لي ورحيلهم إلى عالم البرزخ.

ومن هذه الغربة انفتحت دائرة غربة أخرى، وهي أنني شعرت بغربة مشوبة بألم الفراق حيث تركتني أكثر الموجودات التي أتعلق بها كالربيع الماضي.

ومن خلال هذه الغربة انفتحت دائرة غربة أخرى، وهي الغربة عن موطني وأقاربي، فشعرت بغربة مفعمة بألم الفراق، إذ بقيت وحيداً بعيداً عنهم.

ومن خلال هذه الغربة ألقت عليّ أوضاع الليل البهيم والجبال الشاخصة أمامي غربة فيها من الحزن المشوب بالعطف ما أشعرني أن ميدان غربة أخرى انفتحت أمام روحي المشرفة على الرحيل عن هذا المضيف الفاني متوجهة نحو أبد الآباد، فضمتني غربة غير معتادة، وأخذني التفكير، فقلت فجأة: سبحان الله! وفكرت كيف يمكن أن تقاوم كل هذه الظلمات المتراكبة وأنواع الغربة المتداخلة!. فاستغاث قلبي قائلاً: يا رب! أنا غريب وحيد، ضعيف غير قادر، عليل عاجز، شيخ لا خيار لي، فأقول: الغوث الغوث. أرجو العفو، وأستمد القوة من بابك يا إلهي!.

وإذا بنور الإيمان وفيض القرآن ولطف الرحمن يمدّني من القوة ما يحول تلك الأنواع الخمسة من الغربة المظلمة، إلى خمس دوائر نورانية من دوائر الأُنس والسرور. فبدأ لساني يردد: ﹛﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَك۪يلُ﴾|﹜ (آل عمران:١٧٣) وتلا قلبي الآية الكريمة:

﹛﴿فَاِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّٰهُ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظ۪يمِ﴾|﹜ (التوبة:١٢٩).


وخاطب عقلي كذلك نفسي القلقة المضطربة المستغيثة قائلاً:


دع الصُراخ يا مسكين، وتوكل على اللّه في بلواك.

إنما الشكوى بلاء.

بل بلاء في بلاء، وآثام في آثام في بلاء.

إذا وجدتَ مَن ابتلاك،

Yükleniyor...