صنع أحد النجارين غُرفة خشبية مكشوفة صغيرة وضعت بين أغصانها. فكان الأستاذ يقضي فيها أغلب أوقاته في فصلي الربيع والصيف متعبداً لله، ومتأملاً ومتفكراً حتى انبلاج الصباح في معظم الأحيان، فلا يعرف أهالي «بارلا» متى ينام الأستاذ ومتى يستيقظ! ولا يمر أحد قرب تلك الشجرة في سكون الليل إلّا ويسمع هَمْهمة العالم المُتعبّد المتهجد.

كان الأستاذ معتل الصحّة دائماً وكان قليل الإقبال على الطعام، بل يمكن القول بأنه قضى عمره كله وهو نصف شبعان ونصف جائع، إذ كان يقضي يومه الكامل بإناء صغير من الحساء مع كسرات من الخبز، ويأتيه طعامه من بيت أحد الجيران، وكان يدفع ثمن الطعام دائماً وبإصرار، إذ كان شعاره الذي طبّقه طوال حياته هو ألّا يأخذ شيئاً من أحد دون مقابل، وقضى حياته كلها بالاقتصاد والبركة وعلى ما ادّخره سابقاً من الليرات.

كانت عيون السُلطة تترصّدُ الأستاذ وتُراقب حركاته وسكناته لذا كان الأهالي يتجنبون الاقتراب منه والتحدث إليه، فكان يقضي أكثر وقته في البيت أو يخرج في فصلي الربيع والصيف إلى جبل «ﭼام». (104) ويختلي هناك بنفسه في قمة الجبل وبين الأشجار متأملاً ومتعبداً. (105)


Yükleniyor...