البهيم. ولكن عندما تترك الأنانية والغرور ترى نفسها حقاً أنها لا شيء بالذات، وإنما هي مرآة تعكس تجليات موجدها الحقيقي. فتظفر بوجود غير متناه وتربح وجود جميع المخلوقات.

نعم، من يجد الله فقد وجد كل شيء، فما الموجودات جميعها إلّا تجليات أسمائه الحسنى جل جلاله.

خاتمة

إن هذا الطريق هو أقصر وأقرب من غيره، لأنه عبارة عن أربع خطوات. فالعجز إذا ما تمكن من النفس يسلّمها مباشرة إلى «القدير» ذي الجلال، بينما إذا تمكن العشق من النفس -في طريق العشق الذي هو أنفذ الطرق الموصلة إلى الله- فإنها تتشبث بالمعشوق المجازي، وعندما ترى زواله تبلغ المحبوب الحقيقي.

ثم إن هذا الطريق أسلم من غيره، لأنه ليس للنفس فيه شطحات أو ادعاءات فوق طاقتها، إذ المرء لا يجد في نفسه غير العجز والفقر والتقصير حتى يتجاوز حده.

ثم إن هذا الطريق طريق عام وجادة كبرى، لأنه لا يضطر إلى إعدام الكائنات ولا إلى سجنها، حيث إن أهل «وحدة الوجود» توهموا الكائنات عدماً، فقالوا: «لا موجود إلا هو» لأجل الوصول إلى الاطمئنان والحضور القلبي. وكذا أهل «وحدة الشهود» حيث سجنوا الكائنات في سجن النسيان فقالوا: «لا مشهود إلّا هو» للوصول إلى الاطمئنان القلبي.

بينما القرآن الكريم يعفو الكائنات بكل وضوح عن الإعدام ويطلق سراحها من السجن، فهذا الطريق على نهج القرآن ينظر إلى الكائنات أنها مسخرة لفاطرها الجليل وخادمة في سبيله، وإنها مظاهر لتجليات الأسماء الحسنى كأنها مرايا تعكس تلك التجليات. أي إنه يستخدمها بالمعنى الحرفي ويعزلها عن المعنى الاسمي من أن تكون خادمة ومسخرة بنفسها. وعندها ينجو المرء من الغفلة، ويبلغ الحضور الدائم على نهج القرآن الكريم. فيجد إلى الحق سبحانه طريقاً من كل شئ.

وزبدة الكلام: أن هذا الطريق لا ينظر إلى الموجودات بالمعنى الاسمي، أي لا ينظر إليها على أنها مسخرة لنفسها ولذاتها، بل يعزلها من هذا ويقلدها وظيفةَ، أنها مسخرة لله سبحانه». (43)


Yükleniyor...